توقيت القاهرة المحلي 04:58:04 آخر تحديث
  مصر اليوم -

التعليم وسباق الاستهلاك

  مصر اليوم -

التعليم وسباق الاستهلاك

بقلم - محمود خليل

ثنائية التعليم المجانى والتعليم بمصروفات من الثنائيات الأساسية التى كانت ولم تزل تحكم الفكر التعليمى فى مصر. بدأ محمد على الرحلة بالمجانية، لكن خليفته على كرسى ولاية مصر، وهو ولده إبراهيم باشا، كان يرى غير ذلك، إذ تبنى فلسفة تقاسم التكلفة بين الحكومة والأهالى، فقد تنبه إلى النقلات الاجتماعية والاقتصادية التى أحدثها التعليم فى حياة العديد من الأسر المصرية التى كانت تشكو الضنك وتواضع الحال بعد أن تعلم أحد أبنائها.

يؤشر هذا التوجه إلى ميلاد نظرة خطيرة من جانب السلطة إلى التعليم، حين وجدت نفسها مضطرة إلى القيام بدورها على هذا المستوى، فبعد توسع قاعدة التعليم وزيادة عدد الملتحقين بالمدارس بدأت الدولة -حينذاك- تنظر إلى التعليم كعبء، بات ذلك واضحاً فى توجه الوالى إبراهيم الذى تبنى نظرية إشراك الأهالى فى تحمُّل تكلفة تعليم أولادهم، وأخذ شكلاً عملياً فى عصرى عباس وسعيد، ولم يسمح الاثنان بالتعليم إلا فى إطار ما تطيقه الدولة، فتراجع مساره خلال عهديهما كثيراً، حتى جاء الدور فى الحكم على الخديو إسماعيل الذى أحيا نظرية أبيه إبراهيم فى تحميل الأهالى تكاليف تعليم أبنائهم، فعرفت مصر فى عصره المدارس الخاصة، وبدأت الظاهرة فى التوسع، حتى بات التعليم حكراً على الأسر التى تملك المال، ولم يعد للفقراء من وسيلة لدخول المدرسة سوى التفوق، ليحصلوا على منحة كاملة أو نصف منحة، تبعاً لدرجة التفوق.

منذ عصر إسماعيل وحتى الآن وهناك «خناقة» كبيرة مشتعلة حول المجانية والتعليم بمصروفات، فالحكومات تريد أن تحمِّل الأهالى التكلفة، والأهالى يرون أن المجانية باتت حقاً مكتسباً منذ قيام ثورة يوليو 1952. وفى خضم هذه الخناقة لم يلتفت كثير من أفراد الشعب إلى تراجع قيمة الشهادة بدءاً من الثلاثينات وحتى الآن، إذ لم تعد فى بعض الأحوال أداة للصعود الاجتماعى والاقتصادى كما كانت فى البدء. الجدوى الأخطر للشهادة ظهرت عقب تفجر البترول فى الخليج، حين أتيح لحَمَلة الشهادات فرص السفر والعمل، وباتوا منذ ذلك الحين مصدراً مهماً للعملة الصعبة التى توافرت للحكومات المتعاقبة، وظل الأمر داخلياً على ما هو عليه، وشهد المزيد من التراجع فى جدوى الشهادات، مقابل تمسك محموم من جانب الناس بها، حتى ولو دفعوا فى ذلك آخر مليم فى جيوبهم.

الولع بالشهادة الخالية من التعليم الحقيقى، والمدرسة والجامعة التى باتت مجرد مكان لمنحها، وحسابات التكلفة التى أصبحت تسبق الجودة، كل ذلك أدى إلى ارتدادات لا حصر لها على المستويات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية بل والسياسية أيضاً. فقد بات خريجو المدارس والجامعات أقل وعياً وأكثر استعداداً لقبول أفكار من خارج العصر، وأحياناً من خارج العقل، واختلت أوضاع الطبقة الوسطى وسيطرت عليها الأخلاقيات الاستهلاكية، وأهلكها السباق على هذا المستوى ذهنياً ونفسياً، وكان الأصل فيه عدم تمكن قيمة العلم من النفوس قدر ما تمكنت قيمة «الشهادة» ونوعها «مصرية أم أجنبية» و«مستوى المدرسة» و«الدروس الخصوصية»، لقد انتقلنا خطوة أخطر أصبح فيها التعليم مظهراً من مظاهر الاستهلاك، ومع ارتباط فكرة الشهادة بالمجتمعات المولعة بالكلام، أصبح المتكلمون -حتى لو كانوا غير حاصلين على شهادات- أقدر على الربح، وقد أثار ذلك أوجاع أصحاب الشهادات، خصوصاً من أفراد الطبقة الوسطى، وهم يسمعون عن أرباح المتكلمين من فنانين وإعلاميين، ووصل قطار الخناق أخيراً إلى «مطربى المهرجانات»!.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التعليم وسباق الاستهلاك التعليم وسباق الاستهلاك



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 15:49 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

شيرين عبد الوهاب تعود لإحياء الحفلات في مصر بعد غياب
  مصر اليوم - شيرين عبد الوهاب تعود لإحياء الحفلات في مصر بعد غياب

GMT 11:46 2024 السبت ,14 كانون الأول / ديسمبر

مبابي أفضل لاعب فرنسي في موسم 2023-2024 ويعادل كريم بنزيما

GMT 08:32 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

GMT 09:32 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

إطلالات للمحجبات تناسب السفر

GMT 10:42 2018 الخميس ,19 إبريل / نيسان

بولندا خرقت القانون بقطع أشجار غابة بيالوفيزا

GMT 23:19 2018 السبت ,07 إبريل / نيسان

كلوب يحمل بشرى سارة بشأن محمد صلاح

GMT 01:19 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

لاتسيو يحتفظ بخدمات لويس ألبيرتو حتى 2022

GMT 07:17 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

وفاء عامر تبدي سعادتها لقرب عرض مسلسل الدولي

GMT 09:03 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

فيسبوك يُجهّز لتسهيل التطبيق للتواصل داخل الشركات الصغيرة

GMT 20:34 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

حبيب الممثلة المطلقة أوقعها في حبه بالمجوهرات

GMT 04:40 2017 الأربعاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

أشرف عبد الباقي يسلم "أم بي سي" 28 عرضًا من "مسرح مصر"
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon