بقلم - د. محمود خليل
حين يحس الإنسان بالمجموع الذى خرج منه، فيميل عند قيادتهم إلى الحرص على تيسير سبل الدين والدنيا لهم، ويعز عليه أى تعب أو مشقة يمكن أن يصيب من تابعوه، فإنه يقدم بذلك أعلى نموذج للرأفة والرحمة فى التعامل معهم.
وقد كان النبى محمد صلى الله عليه وسلم نموذجاً محلقاً للرأفة والرحمة.
تعالَ نفكر فى البداية فى الفارق بين الرأفة والرحمة.
ظنى أن الرأفة تعنى الوعى بظروف الغير وتقديرها، وعدم تحميله -بناء على ذلك- ما لا يطيق.
فظروف الطفل غير ظروف الكبير، وظروف الضعيف غير ظروف القوى، وظروف المرأة غير ظروف الرجل، وظروف الفقير غير ظروف الغنى، وهكذا، وكل يحمل على قدر طاقته، وذلك هو المعنى العميق للرأفة.
فالطفل يتعلم لكنه لا يكلف، والضعيف يُجبر ولا يوجه إلى ما لا يطيق، إذ ليس عليه حرج، وأحكام المرأة تختلف عن أحكام الرجل، لأن لكل ما يناسبه، والغنى يعطى الفقير حتى تستقيم أمور الحياة.. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم من ولى من أمر أمتى شيئاً فرفق بهم فارفق به، ومن ولى من أمر أمتى شيئاً فشَقَّ عليهم فشُقَّ عليه».
وإذا كانت الرأفة تعنى وعياً وتقديراً لظروف الآخر، وعدم تحميله ما لا يطيق، فالرحمة تعنى إسباغ العطف على الآخر، سواء كان قوياً أو ضعيفاً، إنها شلال من العطاء المادى والعاطفى يفيض به صاحبه على من حوله، تعبيراً عن محبته للجميع، ورغبة منه فى بث الدفء داخلهم، وترسيخ السكينة فى نفوسهم.
عاش النبى صلى الله عليه وسلم نموذجاً للرحمة فى كافة مجالات الحياة: الرحمة بأزواجه، والرحمة بأولاده، والرحمة بالضعاف والمساكين، الرحمة بأقربائه وأولى رحمه، الرحمة بصحابته ورفاقه، الرحمة بجيرانه، الرحمة حتى بأعدائه.
ليس ذلك فقط، بل كان صلى الله عليه وسلم رحيماً بالطبيعة من حوله وينهى عن الفساد فيها، ورحيماً بالحيوان وكل مخلوقات الله.تحمل النبى صلى الله عليه وسلم الكثير من العنت من قومه، بل ومن أقرب الناس إليه، ورغم ذلك لم يعنت أو يتعنت مع أحد، حتى فى اللحظات التى قدر فيها على ذلك، عانى أيضاً الكثير من أوجه المشقة فى الحياة فتحملها بثبات، ولم يدفعه ذلك إلى أن يشق على غيره.
لقد كان صلى الله عليه وسلم نموذجاً استثنائياً، وأهلاً لاختيار الله لحمل رسالته الخاتمة إلى البشر، ذلك الإنسان الذى حوّل معاناته مع غيره إلى رأفة بهم، والأحزان التى تسبب له فيها الآخرون إلى رحمة تفيض عليهم، ومكث حتى آخر لحظة من حياته رؤوفاً عطوفاً على من حوله.
وحين بكت ابنته وريحانته فاطمة، رضى الله عنها، وهى تراه يجود بأنفاسه الأخيرة فى الحياة، وصرخت: «واكرباه»، نظر إليها وقال: «لا كرب على أبيك بعد اليوم»، ثم أسلم روحه الشريفة إلى بارئها.صلى الله وبارك وسلم على صاحب الذكرى العطرة.