بقلم - د. محمود خليل
بداية الثمانينات كان الانفتاح قد استوى على عوده، وزاحمت الإعلانات الدراما على خريطة برامج القنوات المصرية الأرضية فى ذلك الوقت. انتقلت الإعلانات من مرحلة تسويق منتجات مصر للتأمين، وشهادات الاستثمار، والادخار فى البريد وغير ذلك، إلى تسويق منتجات انجرام، وباك، ثم دخل المشروب «شويبس» على الخط، وكان تالياً فى الظهور على ما أذكر لمشروبى سفن أب وسبورت كولا. وهنا ظهر «حسن عابدين» فجأة على الخط.
فى ذلك الوقت كان نجم حسن عابدين يلمع فى سماء الحياة الفنية المصرية، بعد نجاحه اللافت فى مسرحية «عش المجانين» (1979) رغم أنها لم تكن بقيمة مسرحية «نرجس»، كما يرى نجله خالد حسن عابدين، طبقاً لما سمعته منه فى أحد البرامج، وأتفق معه فى هذا الرأى، فالمسرحية كانت «نفطية» إلى حد كبير، وراقت للكثير من مشاهدى الخليج، وانتشرت إفيهاتها بينهم، بصورة أكثر مما انتشرت بين المصريين، الذين كانوا يفضلون فى ذلك الوقت إيفيه «قال رب توب عليّا» الذى كان يردده الفنان الراحل فى مسرحية «نرجس».
قبل هذه المسرحية أدى حسن عابدين عدداً من الأدوار المؤثرة فى مسلسلات، مثل فرصة العمر، وأبنائى الأعزاء شكراً، لكنها لم تكن أدوار بطولة. البطولة المطلقة جاءت للنجم الكبير أوائل الثمانينات، ولكن من خلال حملة إعلانية يذكرها كل من عاصر هذه الفترة، وهى حملة «سر شويبس». مهنياً وتسويقياً كانت هذه الحملة من أنجح الحملات الإعلانية التى شهدتها مصر، وكان المشاهدون يحبون إعلاناتها، بسبب التلقائية الكوميدية التى كان يتمتع بها حسن عابدين، وكان الكثيرون ينتظرون فقراته الإعلانية، المتلونة بمواقف مختلفة يخوضها الفنان، من أجل الكشف عن سر شويبس، بشغف كبير.
يردد البعض أن هذه الحملة سببت نوعاً من الاكتئاب لحسن عابدين، ربما كان ذلك كذلك، لكن يبقى أنه لم يكن أول فنان يشارك فى إعلانات، فقد سبقه إلى ذلك عمر الشريف. أضف إلى ذلك أن التحول الذى كان يشهده المجتمع للتحول من التفكير الإنتاجى (إعلانات صناعة وتوفير) إلى التفكير الاستهلاكى (مشروبات غازية ومستحضرات تجميل ومزيلات عرق ومأكولات وخلافه) بات أشبه بالطوفان الذى لا يستطيع أن يوقفه أحد، ناهيك عن النجاح المهنى الذى حققه حسن عابدين من خلال هذه الحملة الإعلانية. وإذا صحت رواية الشعور بالاكتئاب التى ينسبها البعض إلى الفنان الراحل، فقد يكون مصدره إحساسه بالمفارقة بين قيمه وأفكاره كفنان ملتزم، يرى أن الفن رسالة قبل أن يكون ربحاً ومالاً، شأنه فى ذلك شأن كل فنان كبير، وفكر المقاولات الذى أصبح يحكم الإبداع على الساحة، واضطرت مواهب كبرى للانسياق مع تياره، كنوع من أكل العيش، أو لأسباب أخرى تخصها لا نعلمها.
وكما كان الفنان الراحل فى مسرحيته «نرجس» مرآة انعكس عليها الانقسام الطبقى القادم وسطوة المال التى ستغلب كل شىء، عكست حملته الإعلانية «سر شويبس» التحول المرعب الذى بدأ يحدث فى المجتمع، بدءاً من الخلط فى الحكى بين العربية والإنجليزية، ولخبطة لغة الناس، وتشويش تفكيرهم، وتسويق الغربى والأجنبى، ودهس المحلى، وتسويق المصنوع على حساب الطبيعى.
إنه التطور الطبيعى للثقافة الساقعة.