توقيت القاهرة المحلي 18:25:53 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ظل الخديوي

  مصر اليوم -

ظل الخديوي

بقلم - د. محمود خليل

حين يفقد الإنسان ظله يفقد نفسه، ويأخذ طريقه إلى الترنح، ثم التهاوى والسقوط.. كذلك كانت حياة الخديوى إسماعيل.جلس إسماعيل بن إبراهيم بن محمد علِى على سدة الخديوية بعد وفاة عمه سعيد. ومنذ اللحظة الأولى لحكمه لعب شقيقه فى الرضاعة إسماعيل باشا صدّيق، أو إسماعيل المفتش، دوراً مهماً فى هز عرشه.

بعد سنوات خمس من تولى «إسماعيل» حكم الخديوية، وتحديداً عام 1868، بادر إلى تعيين إسماعيل صدّيق ناظراً للمالية، بعد عزل الناظر القائم إسماعيل باشا راغب، بذريعة أنه لا يفهم فى الإدارة المالية.

يصف «عبدالرحمن الرافعى» فى كتابه «عصر إسماعيل» هذا القرار قائلاً: «وكان هذا الرجل فى ذاته من الكوارث التى حلت بمصر فى عهد إسماعيل».نشأ «إسماعيل صدّيق» نشأة بائسة فقيرة، ثم صار موظفاً فى الدائرة السنية، مستفيداً فى ذلك مما قيل عن أنه شقيق الخديوى فى الرضاعة، فنال عطفه، وظل يترقى فى المناصب حتى صار مفتش عموم الأقاليم، ومن هنا جاءه لقب «المفتش» الذى لازمه وصار علماً له بقية عمره.

ويُعد «المفتش» أقدم مسئول يميل إلى استغلال منصبه والتربح منه بكل الصور الممكنة، ومثّل نموذجاً للمسئول الفاسد الذى أثرى ثراء فاحشاً، فاقتنى الأراضى والأبعاديات والقصور والجوارى والحظايا. كان الخديوى إسماعيل يسمع عن حالة المخملية التى يعيش «المفتش» فى ظلها، وهو الذى كان بالأمس يشتهى «المليم»، لكنه لم يكن يأبه لذلك، لأن ناظر ماليته يأتيه بالمال حين يريد، وليس يهم الطريقة التى يجمعه بها، والتى كانت تأخذ فى الأغلب شكل إرهاق الفلاحين بالضرائب.

كان الأهالى بالنسبة لإسماعيل المفتش مصدراً لا ينضب للمال، وقد تواطأ معه فى قهرهم على هذا المستوى عدد من المشايخ الذين أفتوا له بأن «العبد وما ملكت يداه ملك لمولاه»، فكل فرد فى الأهالى وما يملكه من مال أو حيازات ملك للخديوى الذى يحكم البلاد.

كل هذا لم يُغنِ عن الأوضاع المالية المتردية شيئاً، وكانت النتيجة إقالة «المفتش»، أحد أكبر الفسدة فى تاريخ المسئولية فى مصر، من منصبه كناظر للمالية.وبعد الإقالة علت أصوات الأجانب مطالبة بمقاضاته أمام المحاكم المختلطة، وهى خطوة أخافت الخديوى إسماعيل لأن الاثنين كانا شريكين فى اللعبة، فقرر الأخير التخلص منه.

أخذ «الخديوى» يتودد إلى «المفتش» ويهدئ من روعه، ودعاه إلى مرافقته فى مشوار إلى قصر الجيزة، وهناك كان رجال الخديوى فى انتظاره فقبضوا عليه، وقتلوه، وألقوا جثته فى النيل. والمضحك فى الأمر أن إجراءات محاكمة «المفتش» تواصلت، وصدر الحكم عليه بالنفى إلى دنقلة، فى الوقت الذى لم يعلم أحد من الأهالى بما وقع للمفتش وأن الخديوى تخلص منه بالقتل.

لقى المفتش مصرعه فى نوفمبر 1876، وظن الخديوى أنه حل جزءاً كبيراً من أزمته بذلك، على الأقل فيما يتعلق بفضح أسراره المالية، لكن الواقع كان أعقد من ذلك بكثير، فقد ظل «إسماعيل» يعانى من ضغوط الرقابة الثنائية، وبات حاكماً صورياً للبلاد، ولم يعد لاستمراره أى جدوى، فتم خلعه من عرش مصر بضغوط من إنجلترا وفرنسا عام 1879، أى بعد ثلاثة أعوام فقط من مقتل «المفتش» الذى كان بالنسبة للخديوى بمثابة الظل للضوء وقتله فى النهاية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ظل الخديوي ظل الخديوي



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 07:41 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه
  مصر اليوم - ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه

GMT 09:43 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

GMT 05:12 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

تصريح عاجل من بلينكن بشأن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة

GMT 09:08 2018 السبت ,24 آذار/ مارس

لعبة Sea of Thieves تتوافر مجانا مع جهاز Xbox One X

GMT 08:25 2024 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

طائرة "مناحم بيغن" تتحول لفندق ومطعم

GMT 21:48 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

بالميراس يقترب من التعاقد مع دييجو كوستا

GMT 18:37 2020 الثلاثاء ,29 كانون الأول / ديسمبر

شركات المحمول تتجه لرفع أسعار الخدمات خلال 3 شهور

GMT 08:43 2020 الأحد ,20 كانون الأول / ديسمبر

منظمة الصحة في ورطة بسبب "التقرير المفقود" بشأن "كورونا"

GMT 07:47 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

تطورات جديدة في واقعة الاغتصاب الجماعي لفتاة داخل فندق

GMT 00:41 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

عمر ربيع ياسين يكشف آخر كواليس معسكر منتخب مصر

GMT 12:05 2020 الجمعة ,04 كانون الأول / ديسمبر

فيفا عبر إنستجرام يبرز نجوم مصر محليا وقاريا

GMT 07:41 2020 الخميس ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

أسعار الفاكهة في مصر اليوم الخميس 19 تشرين الثاني/نوفمبر 2020

GMT 01:42 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

بايرن ميونخ يعلن ضم موتينج ودوجلاس كوستا في أقل من نصف ساعة

GMT 22:56 2020 الخميس ,01 تشرين الأول / أكتوبر

تسريب جديد للمُقاول الهارب محمد علي "يفضح" قطر
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon