توقيت القاهرة المحلي 16:01:57 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ظل الخديوي

  مصر اليوم -

ظل الخديوي

بقلم - د. محمود خليل

حين يفقد الإنسان ظله يفقد نفسه، ويأخذ طريقه إلى الترنح، ثم التهاوى والسقوط.. كذلك كانت حياة الخديوى إسماعيل.جلس إسماعيل بن إبراهيم بن محمد علِى على سدة الخديوية بعد وفاة عمه سعيد. ومنذ اللحظة الأولى لحكمه لعب شقيقه فى الرضاعة إسماعيل باشا صدّيق، أو إسماعيل المفتش، دوراً مهماً فى هز عرشه.

بعد سنوات خمس من تولى «إسماعيل» حكم الخديوية، وتحديداً عام 1868، بادر إلى تعيين إسماعيل صدّيق ناظراً للمالية، بعد عزل الناظر القائم إسماعيل باشا راغب، بذريعة أنه لا يفهم فى الإدارة المالية.

يصف «عبدالرحمن الرافعى» فى كتابه «عصر إسماعيل» هذا القرار قائلاً: «وكان هذا الرجل فى ذاته من الكوارث التى حلت بمصر فى عهد إسماعيل».نشأ «إسماعيل صدّيق» نشأة بائسة فقيرة، ثم صار موظفاً فى الدائرة السنية، مستفيداً فى ذلك مما قيل عن أنه شقيق الخديوى فى الرضاعة، فنال عطفه، وظل يترقى فى المناصب حتى صار مفتش عموم الأقاليم، ومن هنا جاءه لقب «المفتش» الذى لازمه وصار علماً له بقية عمره.

ويُعد «المفتش» أقدم مسئول يميل إلى استغلال منصبه والتربح منه بكل الصور الممكنة، ومثّل نموذجاً للمسئول الفاسد الذى أثرى ثراء فاحشاً، فاقتنى الأراضى والأبعاديات والقصور والجوارى والحظايا. كان الخديوى إسماعيل يسمع عن حالة المخملية التى يعيش «المفتش» فى ظلها، وهو الذى كان بالأمس يشتهى «المليم»، لكنه لم يكن يأبه لذلك، لأن ناظر ماليته يأتيه بالمال حين يريد، وليس يهم الطريقة التى يجمعه بها، والتى كانت تأخذ فى الأغلب شكل إرهاق الفلاحين بالضرائب.

كان الأهالى بالنسبة لإسماعيل المفتش مصدراً لا ينضب للمال، وقد تواطأ معه فى قهرهم على هذا المستوى عدد من المشايخ الذين أفتوا له بأن «العبد وما ملكت يداه ملك لمولاه»، فكل فرد فى الأهالى وما يملكه من مال أو حيازات ملك للخديوى الذى يحكم البلاد.

كل هذا لم يُغنِ عن الأوضاع المالية المتردية شيئاً، وكانت النتيجة إقالة «المفتش»، أحد أكبر الفسدة فى تاريخ المسئولية فى مصر، من منصبه كناظر للمالية.وبعد الإقالة علت أصوات الأجانب مطالبة بمقاضاته أمام المحاكم المختلطة، وهى خطوة أخافت الخديوى إسماعيل لأن الاثنين كانا شريكين فى اللعبة، فقرر الأخير التخلص منه.

أخذ «الخديوى» يتودد إلى «المفتش» ويهدئ من روعه، ودعاه إلى مرافقته فى مشوار إلى قصر الجيزة، وهناك كان رجال الخديوى فى انتظاره فقبضوا عليه، وقتلوه، وألقوا جثته فى النيل. والمضحك فى الأمر أن إجراءات محاكمة «المفتش» تواصلت، وصدر الحكم عليه بالنفى إلى دنقلة، فى الوقت الذى لم يعلم أحد من الأهالى بما وقع للمفتش وأن الخديوى تخلص منه بالقتل.

لقى المفتش مصرعه فى نوفمبر 1876، وظن الخديوى أنه حل جزءاً كبيراً من أزمته بذلك، على الأقل فيما يتعلق بفضح أسراره المالية، لكن الواقع كان أعقد من ذلك بكثير، فقد ظل «إسماعيل» يعانى من ضغوط الرقابة الثنائية، وبات حاكماً صورياً للبلاد، ولم يعد لاستمراره أى جدوى، فتم خلعه من عرش مصر بضغوط من إنجلترا وفرنسا عام 1879، أى بعد ثلاثة أعوام فقط من مقتل «المفتش» الذى كان بالنسبة للخديوى بمثابة الظل للضوء وقتله فى النهاية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ظل الخديوي ظل الخديوي



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024
  مصر اليوم - المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024

GMT 08:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 08:32 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات
  مصر اليوم - ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات

GMT 07:41 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه
  مصر اليوم - ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه

GMT 08:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

أحمد الشرع تُؤكد أن سوريا لن تكون منصة قلق لأي دولة عربية

GMT 03:29 2020 السبت ,14 آذار/ مارس

بورصة تونس تغلق التعاملات على انخفاض

GMT 14:03 2020 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أول تعليق من محمد منير بعد وفاة مدير أعماله وزوج شقيقته

GMT 06:49 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

عزل ترامب

GMT 11:48 2019 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

هاشتاج أمينة خليل يشعل مواقع التواصل الاجتماعي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon