توقيت القاهرة المحلي 22:45:33 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«النسخة المضروبة» من الحياة

  مصر اليوم -

«النسخة المضروبة» من الحياة

بقلم - د. محمود خليل

لماذا ظلت الأجيال المتعاقبة من المصريين تُردّد: «مايجيش من ناحية الغرب حاجة تسر القلب»؟ربما يكون هذا المثل الشعبى قد ولد فى أحضان الحملة الفرنسية، وتمدّدت ظلاله خلال العقود الطويلة التى احتل فيها الإنجليز مصر، وظل يتردّد طوال حلقات الصراع العربى - الإسرائيلى، بسبب دعم الغرب للاحتلال الإسرائيلى لأرض فلسطين.

المفارقة تبدو حين تجد بعض من يرددون هذا المثل يحلمون بالرحيل إلى إحدى دول الغرب، والعمل أو العيش فيها، وتجد آخرين يحلمون بأن ينعم المواطن فى مجتمعاتنا بما ينعم به المواطن الغربى سياسياً واقتصادياً ومعيشياً وإنسانياً.

هذه المفارقة لها ما يُبرّرها، فالغرب بالنسبة للمصرى -أو الشرقى عموماً- يمثل أملاً يحلم بالوصول إلى نموذجه، كما يمثل تحدياً يحول دون ارتقاء معيشته. مشكلة الكثير من المصريين مع الغرب لا تتعلق فقط بسياسته القائمة على الكيل بمكيالين فى الكثير من المسائل والقضايا الحساسة التى تخص الشأن العربى، بل أيضاً فى النظر إلى المواطن العربى من منظورين اثنين لا ثالث لهما، الأول أن بلاده مصدر للمواد الخام، والثانى أن أهله مجرد سوق لشراء السلع التى ينتجها الغرب بعد تدوير الخام.

ولو أنك راجعت كتب التعليم بالمدارس المصرية بعد يوليو 1952، ستجد وصفاً معتمداً للحقبة الاستعمارية يقوم على هذه الفكرة: «الاستعمار يريدنا مصدراً للمواد الخام.. وسوقاً لترويج سلعه ومنتجاته».

الكثير من بسطاء المصريين يمكن أن يحدثوك بما يسمعونه عن احترام الإنسان فى الغرب، وما ينعم به من حقوق وخدمات ومعطيات حياة، لكنهم دائماً ما يبادرونك إلى القول إن الإنسان فى نظرهم هو الإنسان الغربى، أما العربى أو الشرقى فمجرد ظلال بالنسبة لهم، وهو فى أفضل الأحوال مجرد زبون، يروجون لديه سلعهم، بدءاً من زجاجة «الكوكاكولا»، وانتهاءً بأحدث ما أنتجته التكنولوجيا.

وحين تبنت طبقة الحكم فى مصر السبعينات وما تلاها من عقود النموذج الغربى فى الاقتصاد، القائم على الانفتاح، وبدأت النخبة المتعلمة فى الغرب تتصدّر مشاهد صناعة القرار، لم يجد البعض فيها إلا محاولة إعادة إنتاج لمعادلة «الغرب (الشركة) والشرق (الزبون)» بنسخة محلية. وقد بدأت السلع تتكاثر خلال هذه الفترة بصورة أسالت لعاب بعض أفراد الكتلة الأكبر من بسطاء المصريين التى آمنت بفكرة «الأكل من طبق واحد» فأخذت تبحث عن شراء الفتات، الذى يلقى إليها من طبقة الحكم، والطبقة المتحلقة حولها فى شكل منتجات، تشمل الشقق السكنية التى تتوافر فيها الخدمات، والأجهزة الكهربائية، والسيارات، وغيرها من منتجات.لقد توافرت بعض الأموال فى يد طبقة الحرفيين، والعائدين من العمل فى دول الخليج أغرت طبقة المستفيدين والمستثمرين بسحبها من جيوبهم، عن طريق منتجات تحسّن من ظروف الحياة، أو بعبارة أخرى تناسب الطامحين من أفراد الكتلة الكبيرة من المصريين إلى حياة أفضل عن عيشة الغرف والشقق الصغيرة، محدودة الخدمات، والتى يتلاصق فيها البشر.

لم تكن الحياة التى يطمحون إليها تماثل بحال الحياة داخل «كانتونات» الطبقة المخملية، لكنها كانت أفضل حالاً من الحياة التى نشأوا فيها.لأول مرة بدأت الأيدى تتباعد عن الطبق الواحد، وبدأت بعض الذرات فى الانفصال عن الكتلة الكبيرة، بحثاً عن حياة جديدة تقترب من «حياة الأكابر»، ولو على سبيل النسخة المضروبة، أما الكثرة الغالبة من البسطاء فقد أصابها الامتعاض وهى ترى الحياة تضطرب، وكتلتها تتفكك، فلم يُسر قلبها مما جاء من الغرب.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«النسخة المضروبة» من الحياة «النسخة المضروبة» من الحياة



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon