توقيت القاهرة المحلي 07:15:30 آخر تحديث
  مصر اليوم -

نزوات «أفندينا»

  مصر اليوم -

نزوات «أفندينا»

بقلم - د. محمود خليل

يقول «إدريس أفندى» فى مذكراته، واصفاً الوالى محمد على ومشروعاته: «لا يرجع سوء حالة مصر المالية إلى الحروب فحسب، بل إلى الإصلاحات التى لم تُفهم فهماً صحيحاً، وإلى المشروعات التى لم يُحسن ولى الأمر تقديرها، أو تعجّل فى تنفيذها، وإلى رذائل الإدارة، وجشع الموظفين، فإن هذا كله مما يدمّر الثروة العمومية».

مثل هذه التقييمات تثير الحيرة حول عصر محمد على، وتخلق نوعاً من التضارب بين الآراء عند النظر إلى تجربته. فهناك من ينظر إلى هذه المشروعات بصورة مجردة، فيرى ما شقه الوالى من ترع وما عمره من أراضٍ، وما أدخله من محاصيل زراعية جديدة، وما شيده من قناطر، وما بناه من مصانع، فيقول ماذا تريدون أكثر من ذلك؟ لقد أسس ولى النعم دولة جديدة تختلف كل الاختلاف عن الدولة التى عرفها المصريون أيام المماليك، لكن فى المقابل هناك من يقول إن الوالى كان يتحرك فى كل ذلك بإرادة فردية، وبتركيبة نفسية تصور فيها نفسه زعيماً أشبه بالإسكندر الأكبر، أو بنابليون بونابرت، وأن مشروعاته -على عظمتها- لا تمثل أكثر من نزوات شخصية، أراد أن يثبت بها لأوروبا أنه زعيم من طراز فريد، تمدد ظل سيطرته إلى كل الدول المحيطة به، حتى بات الخطر الأكبر على سلطان إسطنبول.

وجهة النظر التى حكم بها «إدريس أفندى» كان أساسها الإنسان المصرى، فقد تساءل فى أكثر من موضع من مذكراته: ما أثر ما أحدثه الوالى من تحولات على حياة الفلاح أو العامل المصرى أو الموظف المصرى؟ ويجيب عنه عن طريق قياس ردود فعل البشر الذين عاصروا معه تجربة الوالى فى التحديث، ويخلص إلى أن الوالى كان يحتقر المصريين، ولا يرى فيهم أكثر من أدوات عليه أن يعصرهم عصراً من أجل إنجاز مشروعه وتحقيق حلمه بالسيطرة على الشرق، عبر جيش قوى تمكن من بنائه، وكل ما صنعه بعد ذلك كان يعمل فى خدمة جيش الوالى، بدءاً من التعليم، ومروراً بالبعثات، وانتهاءً بجمع الأنفار للحرب. والدخول الكبيرة التى حققها الوالى عبر مشروعاته، التى بناها بجمع الضرائب من الناس، ضاع جزء كبير منها فى الحروب، وما تبقى وقع فى حجر الوالى والأمراء وكبار موظفى القصر. أما الشعب فظل فقيراً بائساً يطارده الفقر والجهل والمرض.فارق كبير بين مشروع تحديثى وقوده إهدار إنسانية الإنسان، وآخر يعتمد على منح الإنسان حقوقه وحرياته، وتوعيته وتعليمه، وإطلاق طاقاته وإبداعاته. النوع الأول من المشروعات التحديثية قد يغير وجه المكان وصورته ويجعلها خيراً مما كانت، لكن استمراره غير مضمون بحال، لأنه مرتبط بوجود الشخص الواقف وراءه، وقد يختفى مع اختفائه. أما المشروعات التحديثية المؤسَّسة على الإنسان، فوضعها مختلف، فقد يكون إنجازها أبطأ، لكنه أعقل، وأفيد، وأقدر على التواصل والاستمرارية، والتطور من مرحلة إلى مرحلة، لأنه غير مرتبط بفرد، بل بمجموع آمن به.

يقول إدريس أفندى: «لقد أقبل محمد على ليشيد ركناً تهدم فى بناء الشرق، فتناول بضعة الأحجار التى سقطت من هذا البناء، وبنى فى عجلة مسكناً غير ذى أجل، بدلاً من إقامة صرح جديد كان ينبغى أن يشيده المعمارى الحق».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نزوات «أفندينا» نزوات «أفندينا»



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024
  مصر اليوم - المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024

GMT 08:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 08:32 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات
  مصر اليوم - ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات

GMT 08:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

أحمد الشرع تُؤكد أن سوريا لن تكون منصة قلق لأي دولة عربية

GMT 03:29 2020 السبت ,14 آذار/ مارس

بورصة تونس تغلق التعاملات على انخفاض

GMT 14:03 2020 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أول تعليق من محمد منير بعد وفاة مدير أعماله وزوج شقيقته

GMT 06:49 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

عزل ترامب

GMT 11:48 2019 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

هاشتاج أمينة خليل يشعل مواقع التواصل الاجتماعي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon