بقلم - د. محمود خليل
ردود أفعال الأفراد والجماعات نحو ما يتصورون أنه آية من آيات الله تتباين، ما بين التعامل والتدبر العقلاني، وتصحيح المسار بناء على الاستيعاب، وبين ردود الافعال المعاكسة لذلك، التي تدفع أصحابها إلى المرور على الآية، دون تأمل أو تدبر أو اكتراث، وهو ما ينذر بنتائج شديدة السلبية على الفرد والجماعة.
تعلم قصة نبي الله نوح حين دعا قومه إلى عبادة الواحد الأحد فلم يؤمن برسالته إلا آحاد منهم، فصدر له التوجيه الإلهي بصناعة سفينة النجاة التي قدر الله ألا يمتطي ظهرها إلا المؤمنون.
وقع الطوفان وأزاح ذوي الغرور، الذين ظنوا أنهم مخلدون، من الطريق، وهرع المؤمنون إلى السفينة، لتهبط بسلام وبركات حيث أراد لها الله.
آية الطوفان واحدة من الآيات الكبرى التي خلدتها الأديان، ومؤكد أن البشر الذين عايشوها رأوا بأم أعينهم كيف أعاد الله تعالى هذا الجيل إلى معادلة التوازن من جديد، وأزاح كافة القوى التي كانت تحول دون ذلك، ومع هذا فإن نفراً ممن عايشوا الحدث أو سمعوا عنه من آبائهم وأجدادهم مروا على الآية، ولم يتوقفوا أمام ما سمعوه وما يشهد عليه الواقع المحيط بهم، وكان أن ضلوا من جديد وأرادوا العودة بالحياة إلى المعادلة المختلة التي سبقت الطوفان.
ترسخت دعوة الاختلال الجديدة في "قوم عاد": "ألا إن عاداً كفروا ربهم ألا بعداً لعاد قوم هود".
ومن الملفت أن تجد جوهر الاختلال في "مجتمع عاد"، كما حدده القرآن، تمثل في الخضوع لشخوص من داخلهم، اتسم أداؤهم بـ"التجبر العنيد": "واتبعوا أمر كل جبار عنيد".
من الخطورة بمكان أن يصل أفرد مجتمع إلى هذه الحالة، فلا يجدون غضاضة في أن ينتشر التجبر والافتراء والعناد المستطير في الواقع الذي يعيشون فيه.
انقسم قوم عاد إزاء هذا التحول إلى صنفين، فهناك من كان يقبل ويشارك، وهناك من كان يرى ولا يكترث، وإن أحجم عن المشاركة.
في الحالتين سيطرت معادلة التجبر والعناد على الواقع، فساءت الأحوال الإنسانية، رغم تحسن الأحوال المادية المحيطة: "أتبنون بكل ريع تعبثون وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون وإذا بطشتم بطشتم جبارين".
ها نحن أولاء أمام التجبر من جديد.جعل الله قوم عاد آية دعا البشر إلى التوقف أمامها، وتأمل ما آلت إليه أحوالها، والنتائج التي ترتبت على المعادلة المختلة التي سادت حياتهم، وما انتهى إليه أمرهم من سحق الحالة التجبرية العنادية التي وصلوا إليها:
"ألم تر كيف فعل ربك بعاد إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد".
الآيات الأخيرة من سورة الفجر تشير إلى حال "مجتمع عاد"، وقد عدد الله تعالى بعده أقواماً آخرين حذوا حذوه، وحدد مفتاحين أساسيين يوضحان السرين الكبيرين في غفلة المجتمعات عن آيات الخالق العظيم، يتمثلان في الطغيان، بما يحمله من معاني التجبر، والفساد وغلالة "البريق الزائف" التي ينسجها حول الحياة، حيث تبدو الأشياء براقة لامعة من الخارج، وهشة ومتهافتة من الداخل.