توقيت القاهرة المحلي 20:55:35 آخر تحديث
  مصر اليوم -

آلام الشيخ الجليل

  مصر اليوم -

آلام الشيخ الجليل

بقلم - د. محمود خليل

عندما قامت حركة الضباط فى يوليو 1952 كان عمر النحاس باشا يناهز الـ73 عاماً. أيد الرجل الحركة وذهب إلى رجالها والتقى معهم، رحب به -كما يحكى فى مذكراته- اللواء محمد نجيب، فى حين قابله الآخرون بنظرات فيها قدر من التحدى.

نصحهم بالتمسك بالدستور وإقامة ديمقراطية حقيقية، فوعده «نجيب» بذلك، لكن القرارات التى اتخذها الضباط الأحرار لاحقاً كانت مخالفة لكل الوعود.فقد بدأوا فى محاكمة بعض كبار أعضاء الوفد بتهمة الفساد أو إفساد الحياة السياسية، وبدأت الاتهامات تكال للنحاس باشا نفسه.

تهامس أعضاء مجلس قيادة الثورة بالتخلص من النحاس بالمحاكمة أو بغيرها، لكن نجيب الهلالى نصحهم بمحاكمة زوجته، حتى لا يفوز الزعيم كعادته بتعاطف الشعب، حوكمت زينب الوكيل بالفعل وتم وضع أملاكها وزوجها تحت الحراسة.

وصل الأمر بالشيخ الطاعن فى السن إلى حد تقبل المعونات من بعض رجال الوفد، اتصلت زينب الوكيل ذات يوم بجمال عبدالناصر وشكت له الضغوط المعيشية التى يحيا فيها «النحاس» فقرر صرف معاش شهرى له قدره ثلاثون جنيهاً.

سنوات عاشها «النحاس» لا يستطيع الخروج من بيته بسبب تحديد الإقامة الذى فرض عليه، لكن الرجل لم يضعف ولم يهتز، وهو الشيخ الذى يسير نحو الثمانين من عمره، وعاش متذرعاً بإيمانه وصبره.

والإيمان وحده هو سبيل المقاومة لأصحاب النفوس القوية، حين تشيخ أجسادهم، ولا تقوى صحتهم على مواجهة تقلبات الحياة.

وقد كان زاد الشيخ الجليل منه كبيراً.لم يعد يزور النحاس فى بيته سوى أشخاص معدودين من كبار رجال الوفد، يحكى أن الدكتور طه حسين اتصل به ذات يوم مستئذناً فى الزيارة، بعد سنوات طويلة انقطع فيها عنه، كان ذلك عام 1962، بعد 10 سنوات سار خلالها طه حسين فى ركاب الحكم الجديد، وبات جزءاً منه.

ذهب العميد إلى النحاس باشا حاملاً رسالة من جمال عبدالناصر، يدعو الزعيم فيها إلى دعمه وتأييده بعد أن اهتزت أوضاعه السياسية عقب فض الوحدة بين مصر وسوريا، رفض النحاس الأمر، ورد على قول طه حسين حول أن مجلس قيادة الثورة لم يحاكمه أو يهدره رداً عنيفاً وعدد له ما فعلوه معه من تحديد إقامة ومحاكمة زوجته وهجوم لا يتوقف عليه فى الصحف وغير ذلك.

كان الشيخ حينذاك يخطو نحو الخامسة والثمانين من عمره، ورغم ذلك فقد كان صلباً بإيمانه، وقناعته بما أداه لصالح الوطن، واجتهاده فى إرضاء ربه فيما فعل عبر سيرته فى الحياة، وانتهى به الحال إلى اعتزال السياسة واعتزال الناس والتفرغ للعبادة، حتى غادرت روحه الحياة آمنة مطمئنة.

لم يكن النحاس باشا ولياً من أولياء الله كما قال الرئيس عبدالناصر ذات يوم، وإنما كان مسلماً مستنيراً يتمتع بما يتمتع به المصريون الطيبون من مزاج دينى، يجمع بين الصوفية فى الإحساس بالعلاقة مع السماء، والواقعية فى النظر إلى أحوال الأرض، وبين محبة الدنيا والولع بمسراتها والحرص عليها، والحنين إلى حالة السلام الإيمانى النفسى المرتبط بذكر الآخرة.

إنه المزاج المصرى الذى يؤمن أن كل شىء لله، ويسير بإرادة الله، وأن يد الله رحيمة، وسرعان ما تأخذ بيد المتوكلين عليه ضد غرور من يظنون أن الحياة تقبع عند أطراف أصابعهم أو تسير بإرادتهم الخاصة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

آلام الشيخ الجليل آلام الشيخ الجليل



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 20:31 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

التعادل السلبى يحسم مباراة تشيلسي وايفرتون

GMT 04:44 2018 الأربعاء ,19 أيلول / سبتمبر

رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان يصل إلى السعودية

GMT 11:41 2018 الثلاثاء ,17 تموز / يوليو

شيرين رضا تكشف سعادتها بنجاح "لدينا أقوال أخرى"

GMT 09:36 2018 الأحد ,01 تموز / يوليو

دراسة تنفي وجود "مهبل طبيعي" لدى النساء

GMT 10:26 2018 السبت ,07 إبريل / نيسان

" لفات الحجاب" الأمثل لصاحبات الوجه الطويل
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon