بقلم - د. محمود خليل
يبدو أن خصوم الأمس رأوا أن يتوحدوا في مواجهة عدوهم المشترك، ونقصد بخصوم الأمس كل من عثمان بك البرديسي ومحمد بك الألفي.
كان الألفي ما زال يناوش من "طُرا"، في حين كان "البرديسي" يخطط من الصعيد، بعد أن هرب إليه، بسبب هزيمته من محمد علي، وكسر عساكره على يده، وهربت إليه زوجته بعد فترة من الزمن، وبلغ الأمر الوالي العثماني فقبض على شقيقها، وحبسه لبعض الوقت، ثم أفرج عنه بشفاعة السيد أحمد المحروقي، شاهبندر تجار المحروسة.
أُغري الأميران بما سمعاه عن جمود الموقف بين الكتلة الثائرة التي تريد خلع "خورشيد باشا"، وإصرار الأخير على عدم النزول من القلعة إلا بفرمان صادر من السلطان العثماني، وأخذ يصرخ بأنه الوالي الشرعي، لكن الأميرين لم يعلما، وهما يخططان معاً للتخلص من محمد علي، أن ماءاً كثيراً قد جرى في نهر الأحداث، وأن الموقف تغير، وأن الوالي نزل وصعد مكانه محمد علي، بفرمان رسمي.
توافق "البرديسي والألفي" على وضع خطة إسناد للوالي المحاصر داخل القلعة. وُزيّن لهما الأمر بعد أن علما أن المشايخ خلعوا أيديهم، وطلبوا من محمد علي أن يواجه الوالي بنفسه بعيداً عنهم، وأن الشارع هدأ نسبياً، وعاد الناس إلى حياتهم الطبيعية، لكن حظهم أن الخطة وصلت إلى القاهرة بعد فوات الأوان، بسبب تقنيات الاتصال في ذلك الزمان.
والمتأمل لها ولما كانت عليه الأوضاع عام 1895 يستطيع أن يخلص إلى أن نجاحها كان وارداً، ولو حدث ذلك لتغير وجه تاريخ "المحروسة".
يشير "الجبرتي" إلى أن تفاصيل الخطة تم كشفها بعد القبض على أحد الفرسان، خلال محاولة تسلله إلى القلعة ليلاً، وكان يظن أن ساكنها هو خورشيد باشا، ووجدوا معه أوراقاً، فحملوه بما معه إلى محمد علي باشا، وتم فحص ما معه من أوراق، فوُجد ضمنها خطاب إلى الوالي المخلوع من اثنين من المماليك، يخبرانه فيه أنه صباح يوم الجمعة (تم القبض على حامل الرسالة يوم الأربعاء)، ستقوم القوات المملوكية المعسكرة في الجيزة بإطلاق 7 صواريخ في الجو، سيصل صداها إلى القلعة.
وما إن تنطلق الإشارة فليس على الوالي سوى أن يبدأ في إطلاق المدافع والقنابل والرصاص على محاصريه خارج القلعة، ليكبس بعدها "البرديسي" بقواته من "الجيرة"، و"الألفي" بقواته من "طرا" على عساكر محمد علي ويفكوا الحصار المضروب حول الوالي الشرعي.
هاج محمد علي وماج لما قرأ الرسالة، وأمر بقتل حاملها وإلقائه في بركة الأزبكية، وأدرك أن كلا الأميرين ليسا بتاركيه، لكنه لم يكن يدري حتى اللحظة ماذا يفعل معهما، وخصوصاً مع محمد بك الألفي، وكانت عداوته له أشد ضراروة من عداوة "البرديسي"، ولم يجد شيئاً يفعله في ذلك الوقت، سوى محاولة مضحكة لإبهام الأهالي بأنه قضى على خصومه من المماليك، بأن علق رؤوس محشوة تبن لسبعة منهم -تتصدرها رأس الألفي- على السبيل المواجهة لباب زويلة، وعلق ورقة على كل رأس فيما اسم صاحبها، وكان على رأسهم بالطبع محمد الألفي.