توقيت القاهرة المحلي 22:20:17 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أمي هقع!

  مصر اليوم -

أمي هقع

بقلم - د. محمود خليل

عبارة سحرية تعودت أن أستفز بها اهتمام أمى حين أجدها غافلة عنى.. «أمى هقع».. كانت العبارة كفيلة باستنفارها ودفعها إلى تسلق جبال، وعبور بحار، والعدو عبر السهول، لتمد يدها الملهوفة إلىّ، وتمسك بى وتنقذنى من الوقوع.«أمى هقع».. تحولت فى بعض أحوال طفولتى إلى لعبة كنت أمازح بها أمى، مثل لعبة حمدان والذئب.. أصرخ لها: «أمى هقع» فنهرول نحوى، لتجدنى واقفاً بلا بأس، ساخراً أردد: «ضحكت عليكى»، لم تخذلنى حين كانت اللعبة تتكرر، كما فعل أهل القرية مع «حمدان»، حين أدركوا لعبته آخر الأمر.

كان هناك سبب يدفع اليد الحانية إلى أن تمتد لى فى كل الأوقات أكثر مما تمتد إلى إخوتى، سبب ارتبط بعام 1964 وهو العام التالى لمولدى. خلال الأيام الموجعات لهذا العام كان وباء شلل الأطفال يضرب فى كل اتجاه داخل بر مصر، من حصل على «التطعيم» ومن لم يتبختر السائل فى جسده، لأن تطعيمات شلل الأطفال التى دخلت البلاد خلال النصف الأول من عقد الستينات لم تكن صالحة، فضرب المرض الكثير من أطفال ذلك الزمان، وكنت واحداً ممن ضربهم.

الحياة تجرى بمقادير الله، ولا يعلم أحد أين يخبئ الله تعالى له الخير؟.. قد يكون مختبئاً فى الابتلاء.. لا أحد يعلم.. هكذا علمتنى أمى، وهى تحملنى فوق كتفها أو بين ذراعيها، طفلاً لا يقوى على الوقوف على قدمين.. الأعوام تمضى، والحمل يزيد، والطفل يبلغ الثالثة، ثم الرابعة، ثم الخامسة، والأم تحمله، وكلما حملته أكثر تشبث بالحالة، وأبى النزول إلى الأرض، ليحاول السير مستنداً إلى حائط أو إلى ذراع أحد اخوته.خطوات بطيئة متلعثمة مرتبكة بدأ يخطوها، غالباً ما كانت تنقطع بالانكفاء على الأرض، فتهرول الأم وتحمله وتسأل: «أما آن للراكب أن ينزل؟».

ظل الطفل يلعب معها لعبة «أمى هقع» فتأتيه مهرولة حتى يستعيد ذكرى الارتباط بهذه الحانية، ثم شب وكبر، وصار يسير بمفرده معنوناً بالابتلاء الذى ضرب جيله: «شلل الأطفال».

لم أعد بحاجة إلى أن أكرر اللعبة مع أمى، لكنها كانت دائبة على تذكيرى بها.. ألاطفها وأقول لها: «ده كان زمان!.. أيام ما كنتى بتشيلينى».. وكانت ترد: «شلتك امبارح بدراعينى.. والنهارده قلبى هو اللى شايلك».كنت أضحك من الأم الحانية.. وأكرر لها: «لا.. أنا النهارده قادر أوزن نفسى وأمشى».. فتكرر قولها وتبتسم.. لم أكن فعلاً أشعر بأية مشكلة، وكنت أظن فعلاً أننى بت قادراً على السير بمفردى، دون حاجة لأن أصرخ: «أمى هقع».

حين توفيت أمى عام 2017 بدأت تنتابنى حالة عجيبة.. مرت الأمور بشكل عادى خلال الشهور الأولى لرحيلها، لكن فجأة بدأت أشعر بأننى لا أستطيع السير بنفس القدرة التى كنت عليها.. فكرت كثيراً فى الأمر.. قد يكون مرور العمر وتضعضع الصحة.. لكن فى إحدى لحظات التفكير أدركت معنى العبارة البليغة التى كانت ترددها حين أباهيها بأننى قادر على السير وحدى، عبارة: «النهارده قلبى اللى شايلك».. كأن قلبها بالفعل كان يزننى كبيراً، بعد أن حملنى كتفها وذراعاها صغيراً.. لقد كانت تسندنى فى كل لحظة دون أن أدرى.

بعد أن رحلت أمى أصبحت أسير فى الهواء، مرتبك الخطوة متلعثم النقلة، إلا أن تصرخ روحى لروحها الطيبة «أمى هقع» فتسندنى.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أمي هقع أمي هقع



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 01:58 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تربح 31.4 مليار جنيه خلال شهر أغسطس

GMT 23:21 2020 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

بورصة بيروت تغلق على تحسّن بنسبة 0.37%

GMT 13:08 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

7 قواعد للسعادة على طريقة زينة تعرف عليهم

GMT 01:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

باحثون يؤكدون تقلص عيون العناكب الذكور بنسبة 25%

GMT 15:46 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

كارل هاينز رومينيجه يشيد بسياسة هاينكس

GMT 12:17 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

Mikyajy تطلق أحمر شفاه لعاشقات الموضة والتفرد

GMT 16:48 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

المقاصة يسعى لاستعادة الانتصارات أمام الانتاج

GMT 14:39 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

"ثقافة أبوقرقاص" تنظم فعاليات في قرية الكرم وقصر الإبداع

GMT 01:22 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

العسيلي والليثي يطرحان أغنيتهما الجديدة "خاينة"

GMT 19:11 2015 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

مركز "محمود مختار" يستضيف معرض الفنان وليد ياسين

GMT 03:33 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

دار VIDA للمجوهرات تطرح مجموعة جديدة لامرأة الأحلام
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon