توقيت القاهرة المحلي 22:20:17 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الاستقامة الدينية والسياسية

  مصر اليوم -

الاستقامة الدينية والسياسية

بقلم - د. محمود خليل

لم تكن مسألة الفصل بين الدين والسياسة فى فكر الزعيم مصطفى النحاس تعنى بحال تحييد الدين فى الحياة، بل يمكن القول بأن الرجل كان «سياسياً» محترفاً، وفى الوقت نفسه «مسلماً» مصرياً تشرب من الثقافة العامة التى تحكم تدين المصريين.

السياسة فى نظره عملية مهنية تحكمها قواعد دستورية لا بد أن يلتزم بها الجميع، وواجب رئيس الحكومة رعايتها والدفاع عنها. أما الدين فحالة إنسانية تنظم علاقة الفرد بربه، وحالة اجتماعية تدفعه إلى الذوبان فى الثقافة الدينية السائدة فى المجتمع الذى يعيش فيه.بانت مسألة التفرقة بين موقع الدين من السياسة وموقعه من المجتمع واضحة فى فكر «النحاس»، حين مات الملك فؤاد وورث عرش مصر الملك فاروق.

فقد أراد الأمير محمد على (نجل الخديو توفيق)، الوصى على العرش لحين بلوغ فاروق السن القانونية للتتويج، إعداد حفل يمكن وصفه بـ«المملوكى» للتتويج، تجتمع خلاله هيئة كبار علماء الأزهر بحضور أمراء البيت العلوى، وكبار شيوخ الدين والسياسة فى مصر، ويقوم الشيخ «المراغى» خلاله بحمل سيف محمد على الكبير ليمنحه للملك الشاب الجديد ويضع تاج الملك على رأسه.

مسألة إقحام الدين فى أمر سياسة كان واضحاً فى هذا المخطط، فالأمير محمد على توفيق عاش بموروث فكرى عثمانى مملوكى يحن لزمن «الخديويين»، الذى جلب على مصر الاحتلال الإنجليزى فى عهد أبيه.

والشيخ المراغى، شيخ الأزهر، كان ميالاً إلى الأحرار الدستوريين، وقد تولى مسئولية تعليم الملك الجديد أمور دينه، فيما يشبه وظيفة المعلم الخصوصى، وكان مثل كثيرين من كهول السياسة والدين فى ذلك التوقيت، يريد طوىّ الملك الشاب تحت جناحه، ولا توجد وسيلة أنجح فى ذلك من أن يكون «شيخ الإسلام» المصدر الذى يمنح الملك شرعيته (السيف والتاج).

كان النحاس باشا مستوعباً لحدود الأمر جيداً، ويفهم -كما يحكى فى مذكراته- الرغبات الساذجة التى تحكم الأمير محمد على، والميل الواضح من جانب الشيخ المراغى إلى الأحرار الدستوريين، فواجه الأمر بحنكته المعهودة. وواجه الأمير وشيخ الإسلام بالحقيقة الواضحة التى توافقت عليها الأمة، والمتمثلة فى الالتزام بمبادئ الدستور الذى ينص على أن الأمة مصدر السلطات، وأن ممثلى الأمة داخل مجلس الشيوخ هم مصدر الشرعية، وأن التتويج الشرعى يتم أمام هذا المجلس حين يقسم الملك قسم الولاء للدولة أمام أعضائه.

لم تكن المسألة إذاً مسألة دين ولا يحزنون، بل رغبة فى التمسح بالدين، من أجل ضرب الفكرة المستنيرة التى ارتكن عليها حزب الوفد حينذاك: «الدين لله والوطن للجميع»، وهى فكرة لم تكن تعنى فى تجربة النحاس باشا تحييد إيمانه كمسلم، أو تدعو رفيق تجربته مكرم باشا عبيد إلى تحييد إيمانه المسيحى، بل كان كلاهما شديد الالتزام بقيم دينه وعباداته وأخلاقياته، طمعاً منهما فى رحمة الخالق العظيم يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

أدى النحاس «باشا» كرئيس حكومة بمنطق السياسى المحترف الذى يعلم أن حسابه يتم أمام شعبه الذى منحه السلطة التى يحكم بها، وبإيمان المسلم البسيط الموقن أن الله تعالى يحاسب المحسن على إحسانه، والمسىء على إساءته، تبعاً للمعايير التى تشتمل عليها العقيدة التى يؤمن بها، وقدمت تجربته فى النهاية نموذجاً فريداً للاستقامة الدينية والسياسية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الاستقامة الدينية والسياسية الاستقامة الدينية والسياسية



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 08:05 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 18 نوفمبر /تشرين الثاني 2024

GMT 10:55 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

دوناروما يؤكد ان غياب مبابي مؤثر وفرنسا تملك بدائل قوية

GMT 09:55 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 08:31 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن وجود علاقة بين النوم المبكر وصحة أمعاء طفلك

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 07:27 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

هند صبري بإطلالة أنثوية وعصرية في فستان وردي أنيق

GMT 04:33 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونسكو تعزز مستوى حماية 34 موقعًا تراثيًا في لبنان

GMT 13:08 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نيمار يشتري بنتهاوس بـ 200 مليون درهم في دبي

GMT 07:25 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزالان بقوة 4.7 و4.9 درجة يضربان تركيا اليوم

GMT 03:12 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

ليليا الأطرش تنفي تعليقاتها عن لقاء المنتخب السوري

GMT 18:33 2017 الأربعاء ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

ميا خليفة تحضر إلى لبنان في زيارة خاصة

GMT 14:47 2019 السبت ,09 شباط / فبراير

الحضري على رأس قائمة النجوم لمواجهة الزمالك

GMT 11:13 2018 الأربعاء ,11 إبريل / نيسان

ما وراء كواليس عرض "دولتشي آند غابانا" في نيويورك
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon