توقيت القاهرة المحلي 18:25:53 آخر تحديث
  مصر اليوم -

يكتب «الكادح» إلى ربه

  مصر اليوم -

يكتب «الكادح» إلى ربه

بقلم - د. محمود خليل

كان العجب والحيرة يأكلان "آدم الصغير"، وهو يسمع كلام جده "آدم الكبير". لم يعرفه إلا من خلال الصورة التي وضعها الأب في درج مكتبه.

كان أكثر ما يلفت نظر الشاب إليه نظرته الوادعة وقسمات وجهه التي تفيض بالرضا.. دارت رأسه فجأة فأحس بأن جده اختفى.. شعر بضيق في التنفس.. فإذا بصوت أمه يعاتبه على الإفراط في التدخين.. تنهد بعمق فوجد جده لم يزل واقفاً أمامه باسماً فبادله الابتسام ثم قال له:- الشاب: كلامك يا جدي يشبه الألغاز.. وانا من جيل يريد كلاماً يمشي على الأرض وليس يطير في السماء.. ماذا تعني بـ:بين بين؟.- الشيخ: سأشرح لك بالطريقة التي تحبها.أشار الجد بإصبعه فظهرت شاشة أشبه بشاشة الموبايل. فجأة ظهر فيها شخص شاب وجهه أبيض يميل إلى الحمرة، يرتدي جلباباً وطربوشاً قصيراً، يشبه الطرابيش التي يرتديها المغاربة كما رآها في بعض الأفلام.. يظهر الشاب بين مجموعة من الأجانب يتحدث معهم بالفرنسية بطلاقة.. سأل آدم الصغير:- الشاب: من هذا يا جدي؟.- الشيخ: إنه جدي أنا حسن الترجمان.. أصل وجودنا العائلي.. جدك "الترجمان" مغربي الأصل كان يصحب أباه في الحج عام 1791.. وبعد ان أدى الاثنان الفريضة عادا إلى المحروسة، حيث مرض الأب، ومات، وشاء الله أن يحتضنه تراب القاهرة.. كان العام عام وباء.. وكان الطاعون يحصد الأرواح ويلعب بالأجساد كما شاء.. أنظر:"القاهرة عام 1791.. الناس تسير في الشوارع حائرة.. يرتدون جلابيب بسيطة تنطق بالبؤس.. الوجوه قلقة.. والأعين غائرة من فرط التعب والإجهاد.. مجموعة تسير في جنازة حتى تصل إلى المسجد.. يصرخ فيهم رجل واقف على باب المسجد ويطلب منهم الانتظار لحين الانتهاء من الصلاة على الجثث المتراصة داخل المسجد.. يظهر أحد الاهالي وهو يسقط فجأة على الأرض.. والناس تجري بعيداً عنه وهم يرددون: "مطعون.. مطعون".. زحام يظهر على أحد بائعي الخبز.. تصرخ إمرأة "أريد بنصف فضة عيش".. يجرها أحد الرجال بعيداً ثم يقفز مكانها ويصرخ "بثلاثة أنصاف فضة عيش".يستطرد الجد قائلاً: كانت الناس تتقاتل على رغيف العيش.. بينما يقتلهم الطاعون.. وينهش أجسادهم بلا شفقة.. الوباء والغلاء لا يعرفان الرحمة.. حسن الترجمان كان مستوراً، ويملك ثمن رغيف العيش والغموس وإيجار البيت، لكنه لم يكن يملك دفع الطاعون عن أبيه.. سقط الرجل الكبير مطعوناً في القاهرة، وأحس حسن أن الله تعالى شاء أن تكون النهاية فوق هذه الأرض.. "وما تدري نفس بأي أرض تموت".. كما أن الإنسان لا يدري مكان خبزه ورزقه.مات الأب فقرر حسن الترجمان أن ينسى الأرض التي جاء منها. قال لنفسه "المغرب لم تعد بلدي ولا أرضي.. بلدي وأرضي حيث ترقد عظام أبي".. ثم دفن أباه بأحد المقابر المجاور للسيدة نفيسة، واختار لنفسه مسكناً لا يبتعد عنها كثيراً. وبدأ يواجه أقداره في بر مصر.عمل في تجارة البخور والعطور التي كان يعمل بها والده في المغرب، لكن الرزق كان شحيحاً، لم يكن أغلب المحيطين بدكانه بإحدى العطفات المتفرعة من ميدان الرميلة يملكون ترف استعمال العطور.. وهم الذين لا يجدون ماء للاستحمام.. والبخور لا تحقق الربح الذي يقنع صاحبه.. ظلت الدنيا تصعد وتهبط بحسن على أرجوحتها سبع سنين لتبدأ فصول رحلته الحقيقية.إنها يا ولدي رحلة الحياة التي يكدح الإنسان فيها بحثاً عن الموت.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

يكتب «الكادح» إلى ربه يكتب «الكادح» إلى ربه



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 07:41 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه
  مصر اليوم - ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه

GMT 09:43 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

GMT 05:12 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

تصريح عاجل من بلينكن بشأن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة

GMT 09:08 2018 السبت ,24 آذار/ مارس

لعبة Sea of Thieves تتوافر مجانا مع جهاز Xbox One X

GMT 08:25 2024 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

طائرة "مناحم بيغن" تتحول لفندق ومطعم

GMT 21:48 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

بالميراس يقترب من التعاقد مع دييجو كوستا

GMT 18:37 2020 الثلاثاء ,29 كانون الأول / ديسمبر

شركات المحمول تتجه لرفع أسعار الخدمات خلال 3 شهور

GMT 08:43 2020 الأحد ,20 كانون الأول / ديسمبر

منظمة الصحة في ورطة بسبب "التقرير المفقود" بشأن "كورونا"

GMT 07:47 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

تطورات جديدة في واقعة الاغتصاب الجماعي لفتاة داخل فندق

GMT 00:41 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

عمر ربيع ياسين يكشف آخر كواليس معسكر منتخب مصر

GMT 12:05 2020 الجمعة ,04 كانون الأول / ديسمبر

فيفا عبر إنستجرام يبرز نجوم مصر محليا وقاريا

GMT 07:41 2020 الخميس ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

أسعار الفاكهة في مصر اليوم الخميس 19 تشرين الثاني/نوفمبر 2020

GMT 01:42 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

بايرن ميونخ يعلن ضم موتينج ودوجلاس كوستا في أقل من نصف ساعة

GMT 22:56 2020 الخميس ,01 تشرين الأول / أكتوبر

تسريب جديد للمُقاول الهارب محمد علي "يفضح" قطر
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon