توقيت القاهرة المحلي 06:53:51 آخر تحديث
  مصر اليوم -

التعليم والوعي

  مصر اليوم -

التعليم والوعي

بقلم - د. محمود خليل

التعليم يساوى الوعى، فإذا لم يولِّد التعليم وعياً فالمحصلة صفر. وواقع الحال أن التعليم داخل العديد من الدول العربية لا يستهدف بناء وعى الدارس بالواقع الذى يعيش فيه وأساليب التعامل الأمثل مع معطياته وثرواته وإمكانياته، وكيفية تطويرها. ولا يهتم بتوفير الأدوات التى تمكِّن المتعلم بعد ذلك من امتلاك ناصية التفكير العلمى من ناحية، أو القدرة على تطبيق النظريات العلمية فى النهضة بالواقع من ناحية أخرى. التعليم داخل أغلب بلدان العالم العربى وسيلة للحصول على الشهادة ليس أكثر.فى كتابه «مجتمع جديد أو الكارثة» تحدَّث الراحل زكى نجيب محمود عن التعليم الذى يمكِّن الدارس من امتلاك الأدوات التى تساعده على تطوير ذاته والنهوض بالواقع الذى يعيش فيه. تحدَّث عن «تعليم الرياضيات» الذى يؤدى إلى امتلاك الدارس لنظرة رياضية للواقع، والتفكير الرياضى فى حل ما يواجهه من مشكلات فيه، وليس التعليم القائم على رص نظريات الهندسة أو أسس الجبر. تحدَّث عن «تعليم التاريخ» الذى يولِّد لدى الفرد القدرة على استخلاص القوانين التى تحكم حركة الأحداث، والوقوف على العبر منها، بحيث لا تكرر الشعوب أخطاء سبق ووقعت فيها.هناك عقد اجتماعى غير معلن بين السلطة والمجتمع داخل البلاد العربية على أن هذا النوع من التعليم غير مرغوب فيه، وأن المطلوب تحديداً هو «الشهادة» ولا شىء آخر، وإذ كان ثمة من مصلحة للمسيطرين داخل الواقع العربى على تغييب الوعى.. فما هى مصلحة الشعوب فى المساهمة فى ذلك؟. الأسر العربية التى تتكالب على الدروس الخصوصية لا تريد لأبنائها تعليماً يؤدى إلى «الوعى» بل إلى «شهادة»، المجتمعات التى تفرح بحالات الغش الجماعى لا تبحث لأولادها عن تعليم حقيقى بل عن ورقة يدخلون بها الجامعات، ليتخرجوا فيها كما تخرجوا فى المدارس، لا يملكون عقلاً ولا فكراً ولا معرفة ولا أدوات فى مواجهة الواقع، بل يملكون ورقة، مجرد ورقة، اسمها شهادة.مسألة الحرص على حيازة «الشهادات» لم تعد مقصورة على الأسر أو الأفراد المتعلمين، بل امتدت إلى المسئولين عن التعليم حتى داخل الجامعات. فرؤساء الجامعات الذين يبحثون عن موقع متقدم فى تصنيف يصفونه بالعالمى (وقد يكون غير ذلك) هم يبحثون عن شهادة، والمسئولون عن التعليم بشقيه المدرسى والجامعى الذين يتحركون فى عملهم معتمدين على «شلة إعلاميين» أو «شلة صحفيين» يبحثون عن شهادة، والأساتذة الذين يشاركون فى مؤتمرات -الله أعلم بجدواها- ويلتقطون الصور السيلفى ويضعونها على صفحاتهم هم يبحثون عن شهادات افتراضية من أصدقائهم ومحبيهم.التعليم الذى لا يؤدى إلى إضاءة العقل بالوعى، وتوفير أدوات التطوير فى اليد، ليس له مردود إيجابى على الواقع.. وخروج الشعوب العربية من أزمتها الحالية يفرض عليها أولاً أن تصحح مفاهيمها حول التعليم وأهدافه ونواتجه، وأن يستوعب أفرادها أن جوهر الثروة فى التعليم هو «العلم»، وليس الشهادة، أو ما يجلبه على صاحبه من مكتسبات، وأن يلتفتوا إلى محاربة الأمية بشكل حقيقى وليس دعائياً، ويعيدوا إلى التعليم المهنى هيبته وقيمته، ويتفهموا أن الشعوب التى سبقتهم إلى المستقبل حرصت فى البداية على امتلاك أداة التعليم، وبنت بها الواقع، ثم انطلقت نحو المستقبل.خروج المجتمعات العربية من أزمتها يقتضى أول ما يقتضى تبنى المعانى والمفاهيم الحقيقية للتعليم، واعتباره الرافعة الأهم لانتشالهم من وهدة الواقع المرير، ووضعهم على عتبة المستقبل الحقيقى.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التعليم والوعي التعليم والوعي



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:26 2021 الأربعاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يضيف لسجله أرقاماً قياسية جديدة

GMT 10:18 2020 الجمعة ,26 حزيران / يونيو

شوربة الخضار بالشوفان

GMT 08:15 2020 الثلاثاء ,09 حزيران / يونيو

فياريال يستعين بصور المشجعين في الدوري الإسباني

GMT 09:19 2020 الجمعة ,24 إبريل / نيسان

العالمي محمد صلاح ينظم زينة رمضان في منزله

GMT 09:06 2020 الأربعاء ,22 إبريل / نيسان

تعرف علي مواعيد تشغيل المترو فى رمضان

GMT 12:50 2019 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

علالو يؤكّد الجزائر "تعيش الفترة الأهم في تاريخ الاستقلال"

GMT 04:46 2019 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

اتجاهات ديكور المنازل في 2020 منها استخدام قطع أثاث ذكي

GMT 00:42 2019 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

بدء تصوير فيلم "اهرب يا خلفان" بمشاركة سعودية إماراتية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon