توقيت القاهرة المحلي 10:41:35 آخر تحديث
  مصر اليوم -

التعليم والوعي

  مصر اليوم -

التعليم والوعي

بقلم - د. محمود خليل

التعليم يساوى الوعى، فإذا لم يولِّد التعليم وعياً فالمحصلة صفر. وواقع الحال أن التعليم داخل العديد من الدول العربية لا يستهدف بناء وعى الدارس بالواقع الذى يعيش فيه وأساليب التعامل الأمثل مع معطياته وثرواته وإمكانياته، وكيفية تطويرها. ولا يهتم بتوفير الأدوات التى تمكِّن المتعلم بعد ذلك من امتلاك ناصية التفكير العلمى من ناحية، أو القدرة على تطبيق النظريات العلمية فى النهضة بالواقع من ناحية أخرى. التعليم داخل أغلب بلدان العالم العربى وسيلة للحصول على الشهادة ليس أكثر.فى كتابه «مجتمع جديد أو الكارثة» تحدَّث الراحل زكى نجيب محمود عن التعليم الذى يمكِّن الدارس من امتلاك الأدوات التى تساعده على تطوير ذاته والنهوض بالواقع الذى يعيش فيه. تحدَّث عن «تعليم الرياضيات» الذى يؤدى إلى امتلاك الدارس لنظرة رياضية للواقع، والتفكير الرياضى فى حل ما يواجهه من مشكلات فيه، وليس التعليم القائم على رص نظريات الهندسة أو أسس الجبر. تحدَّث عن «تعليم التاريخ» الذى يولِّد لدى الفرد القدرة على استخلاص القوانين التى تحكم حركة الأحداث، والوقوف على العبر منها، بحيث لا تكرر الشعوب أخطاء سبق ووقعت فيها.هناك عقد اجتماعى غير معلن بين السلطة والمجتمع داخل البلاد العربية على أن هذا النوع من التعليم غير مرغوب فيه، وأن المطلوب تحديداً هو «الشهادة» ولا شىء آخر، وإذ كان ثمة من مصلحة للمسيطرين داخل الواقع العربى على تغييب الوعى.. فما هى مصلحة الشعوب فى المساهمة فى ذلك؟. الأسر العربية التى تتكالب على الدروس الخصوصية لا تريد لأبنائها تعليماً يؤدى إلى «الوعى» بل إلى «شهادة»، المجتمعات التى تفرح بحالات الغش الجماعى لا تبحث لأولادها عن تعليم حقيقى بل عن ورقة يدخلون بها الجامعات، ليتخرجوا فيها كما تخرجوا فى المدارس، لا يملكون عقلاً ولا فكراً ولا معرفة ولا أدوات فى مواجهة الواقع، بل يملكون ورقة، مجرد ورقة، اسمها شهادة.مسألة الحرص على حيازة «الشهادات» لم تعد مقصورة على الأسر أو الأفراد المتعلمين، بل امتدت إلى المسئولين عن التعليم حتى داخل الجامعات. فرؤساء الجامعات الذين يبحثون عن موقع متقدم فى تصنيف يصفونه بالعالمى (وقد يكون غير ذلك) هم يبحثون عن شهادة، والمسئولون عن التعليم بشقيه المدرسى والجامعى الذين يتحركون فى عملهم معتمدين على «شلة إعلاميين» أو «شلة صحفيين» يبحثون عن شهادة، والأساتذة الذين يشاركون فى مؤتمرات -الله أعلم بجدواها- ويلتقطون الصور السيلفى ويضعونها على صفحاتهم هم يبحثون عن شهادات افتراضية من أصدقائهم ومحبيهم.التعليم الذى لا يؤدى إلى إضاءة العقل بالوعى، وتوفير أدوات التطوير فى اليد، ليس له مردود إيجابى على الواقع.. وخروج الشعوب العربية من أزمتها الحالية يفرض عليها أولاً أن تصحح مفاهيمها حول التعليم وأهدافه ونواتجه، وأن يستوعب أفرادها أن جوهر الثروة فى التعليم هو «العلم»، وليس الشهادة، أو ما يجلبه على صاحبه من مكتسبات، وأن يلتفتوا إلى محاربة الأمية بشكل حقيقى وليس دعائياً، ويعيدوا إلى التعليم المهنى هيبته وقيمته، ويتفهموا أن الشعوب التى سبقتهم إلى المستقبل حرصت فى البداية على امتلاك أداة التعليم، وبنت بها الواقع، ثم انطلقت نحو المستقبل.خروج المجتمعات العربية من أزمتها يقتضى أول ما يقتضى تبنى المعانى والمفاهيم الحقيقية للتعليم، واعتباره الرافعة الأهم لانتشالهم من وهدة الواقع المرير، ووضعهم على عتبة المستقبل الحقيقى.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التعليم والوعي التعليم والوعي



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024
  مصر اليوم - المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024

GMT 08:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 08:32 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات
  مصر اليوم - ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات

GMT 07:41 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه
  مصر اليوم - ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه

GMT 08:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

أحمد الشرع تُؤكد أن سوريا لن تكون منصة قلق لأي دولة عربية

GMT 03:29 2020 السبت ,14 آذار/ مارس

بورصة تونس تغلق التعاملات على انخفاض

GMT 14:03 2020 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أول تعليق من محمد منير بعد وفاة مدير أعماله وزوج شقيقته

GMT 06:49 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

عزل ترامب

GMT 11:48 2019 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

هاشتاج أمينة خليل يشعل مواقع التواصل الاجتماعي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon