توقيت القاهرة المحلي 18:25:53 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مواطن بدرجة «سمسار»

  مصر اليوم -

مواطن بدرجة «سمسار»

بقلم - د. محمود خليل

تتفاوت الدول العربية فى قدراتها، وحجم ثرواتها، ومستوى معيشة مواطنيها، وتتوزّع على هذا المستوى ما بين دول مقتدرة وأخرى تعانى، لكنها تتفق جميعها على الاعتماد على مصادر ريعية فى تحصيل دخلها القومى. والريع هو العائد الناتج عن ثروة طبيعية أو موروثة يملكها المجتمع، والمجتمعات العربية فى ذلك أشبه بمن يعتمد فى دخله على إيجار عمارة ورثها عن أبيه، أو شخصاً وجد كنزاً فى باطن الأرض التى يعيش فوقها، فأتى بمن يستخرجه له، نظير أن يعطيه جزءاً منه كل شهر أو كل سنة حسب الظروف.

الفكر الريعى بعيد أشد البُعد عن الاقتصاد بمفهومه الإنتاجى الذى يعتمد على الصناعة والزراعة وعلى الأعمال التجارية التى تقوم على إنتاج سلع يحتاجها العالم فتتحرك إلى أسواقه. الفكر الريعى جعل أهم وظيفة يحب العربى أن يؤديها هى وظيفة «السمسرة»، لكونها لا تتطلب جهداً كبيراً وتحقق أرباحاً ضخمة. السمسرة قد تأخذ شكل الوظيفة الصريحة، مثل البواب الذى يُسمسر فى إيجار وبيع الشقق داخل العمارة التى يعمل فيها (البيه البواب)، وقد تأخذ شكلاً مستتراً حين تصبح السمسرة جوهر العمل، فيتحول بعض المعلمين الطبيعيين إلى مدرس خصوصى يحقّق أرباحاً كبيرة عبر السمسرة فى بلادة التلاميذ وشهوة الأسر فى الشهادات، ويتحول بعض الأطباء الطبيعيين إلى سماسرة أدوية لحساب الشركات التى تعطيهم أكثر، ويتحول المهندس الطبيعى إلى «مقاول»، ويتحول الموظف فى أى موقع إلى «مشهلاتى» وهكذا.

الفارق بين الاقتصاد الإنتاجى والاقتصاد الريعى هو الفارق ببساطة بين الاستثمار والفساد. فالاستثمار يعنى استغلال القدرات المتاحة وبذل الجهد فى تدويرها لتربح أكثر، أما الفساد فيعنى استغلال الموقع -وليس القدرات- من أجل تحقيق الأرباح. ونتيجة الاستثمار معروفة، إذ تعنى سيطرة الفكر الإنتاجى على كل مناحى الحياة داخل المجتمع، ونتيجة الفساد معروفة هى الأخرى، إذ يؤدى إلى سيطرة الفكر الاستهلاكى على نواحى الحياة، بما يتعلق به من سوء أداء تظهر تجلياته فى كل لحظة.

سيطرة «السمسرة» على شتى نواحى حياة الإنسان العربى لها مردود اجتماعى جوهره سيطرة الثقافة الاستهلاكية، فالمال السريع السهل الذى يستطيع تحصيله من يجيدون لعب دور السمسار، أو تواتيهم الفرص لذلك، يشجّع على الاستهلاك، كما أن السمسرة تمنح صاحبها وقتاً كافياً للاستهلاك، لأنها لا تتطلب جهداً أو وقتاً فى أدائها، وعدم اعتمادها على إنتاج حقيقى يتطلب بذل جهد، ولك أن تتخيل فى المجمل حالة اللخبطة التى يُحدثها المتربحون من السماسرة داخل الأسواق المختلفة والنتائج المترتبة على ذلك بالنسبة لمن لا تواتيهم فرصة للعب دور «السمسار»، وكم النقمة التى يشعرون بها، وهم يجدون أصحاب المال السهل يشعلون الأسواق من حولهم، بسبب عدم امتلاكهم ما ينفقون.

سوف يكتب للشعوب العربية طرق باب المستقبل، وتحقيق حلمهم فى الحياة الآدمية اللائقة على جميع المستويات، إذا تعلموا أن الإنتاج هو سبيل البقاء فى عالم بات العلم فيه هو الثروة الحقيقية، والاستثمار وليس التربح بالفساد هو سبيل الاستقرار، وأن الاقتصاد الحقيقى صناعة وزراعة وتجارة وليس ريعاً، والاستهلاك الناتج عن السمسرة هو طريق الهلاك.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مواطن بدرجة «سمسار» مواطن بدرجة «سمسار»



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 07:41 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه
  مصر اليوم - ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه

GMT 09:43 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

GMT 05:12 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

تصريح عاجل من بلينكن بشأن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة

GMT 09:08 2018 السبت ,24 آذار/ مارس

لعبة Sea of Thieves تتوافر مجانا مع جهاز Xbox One X

GMT 08:25 2024 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

طائرة "مناحم بيغن" تتحول لفندق ومطعم

GMT 21:48 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

بالميراس يقترب من التعاقد مع دييجو كوستا

GMT 18:37 2020 الثلاثاء ,29 كانون الأول / ديسمبر

شركات المحمول تتجه لرفع أسعار الخدمات خلال 3 شهور

GMT 08:43 2020 الأحد ,20 كانون الأول / ديسمبر

منظمة الصحة في ورطة بسبب "التقرير المفقود" بشأن "كورونا"

GMT 07:47 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

تطورات جديدة في واقعة الاغتصاب الجماعي لفتاة داخل فندق

GMT 00:41 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

عمر ربيع ياسين يكشف آخر كواليس معسكر منتخب مصر

GMT 12:05 2020 الجمعة ,04 كانون الأول / ديسمبر

فيفا عبر إنستجرام يبرز نجوم مصر محليا وقاريا

GMT 07:41 2020 الخميس ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

أسعار الفاكهة في مصر اليوم الخميس 19 تشرين الثاني/نوفمبر 2020

GMT 01:42 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

بايرن ميونخ يعلن ضم موتينج ودوجلاس كوستا في أقل من نصف ساعة

GMT 22:56 2020 الخميس ,01 تشرين الأول / أكتوبر

تسريب جديد للمُقاول الهارب محمد علي "يفضح" قطر
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon