توقيت القاهرة المحلي 22:20:17 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أخلاق للبيع

  مصر اليوم -

أخلاق للبيع

بقلم - د. محمود خليل

يبدأ فيلم أرض النفاق -القصة الشهيرة للراحل يوسف السباعى- بمشهد لدكان عطار تتصدره يافطة مكتوب عليها «أخلاق للبيع»، ولا أجدنى بحاجة لأن أحكى لك ما تعلمه من تفاصيل الفيلم، لكننى أريد التوقف عند تاريخ إنتاجه وما يشير إليه من دلالات، ونحن بصدد مناقشة قضية الأخلاق.

أنتج فيلم «أرض النفاق» عام 1968 فى سياق لحظة مكاشفة كانت تعيشها مصر بعد نكسة يونيو، الفيلم شيد أحداثه على حقيقة التردى الأخلاقى الذى ضرب المجتمع، ومثّل سبباً من أسباب ما حدث، وجوهرها حالة النفاق التى ضربت بأذاها جميع أرجاء المجتمع، فتغلغلت داخل الأسر، وفى الشارع، وفى المؤسسات العامة.

ولو أنك فتشت فى معنى النفاق فستجد أنه يتمحور حول فكرة «الكذب المصنوع»، أو بعبارة أخرى الكذب الهادف إلى الاسترزاق وتحقيق المغانم والمكاسب: «وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ».

فى الحديث النبوى الشريف الذى يشرح آيات المنافق تجد الكذب على رأسها: «إذا حدّث كذب».. وكل ما يأتى بعد هذه العلامة هو تأسيس عليها، فخُلف الوعد كذب، وخيانة الأمانة والعهد كذب، والغدر كذب، وأصل الفُجر فى الخصومة هو الكذب.

وفى القرآن الكريم إشارات متنوعة إلى ممارسة المنافقين لألوان شتى من الكذب، وقد وضع الله الصادقين فى مقابل المنافقين.. يقول تعالى: «لِّيَجْزِىَ الله الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ».. وثمة إشارات إلى كذبهم على السماء.. يقول تعالى: «إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ الله وَهُوَ خَادِعُهُمْ».

الكذب ممقوت فى كتاب الله لأنه أصل التداعى فى حائط الأخلاق داخل أى مجتمع، واللافت أنه كان ممقوتاً حتى داخل المجتمع العربى قبل بعثة النبى، صلى الله عليه وسلم، يمكنك أن تستدل على ذلك من مشهد أبى سفيان وهو يجلس أمام النبى ليبايعه على الإسلام، فقد قال له النبى: تبايعنى على ألا تكذب، فرد عليه مستنكراً: أو يكذب الرجل؟أو يكذب الرجل؟.. سؤال عجيب أراد به أبوسفيان أن يثبت أن الرجولة صدق، وأن الرجل الحقيقى ليس بحاجة إلى الكذب، وأن الأمر لا يحتاج إلى أن يؤمن بدين حتى يلزم الصدق فى حياته، إدراكاً منه لحقيقة أن الصدق هو أصل السلامة الأخلاقية للمجتمعات، والكذب جوهر التداعى فيها.هذا المعنى تجده حاضراً بشكل صريح فى حديث النبى العربى، صلى الله عليه وسلم.

فقد سأله أحدهم: يا نبى الله هل يزنى المؤمن؟ قال: قد يكون من ذلك، قال: يا رسول الله هل يسرق المؤمن؟، قال: قد يكون من ذلك.

قال: يا نبى الله هل يكذب المؤمن؟ قال: لا، ثم أتبعها بقوله تعالى: «إِنَّمَا يَفْتَرِى الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ».

إلا الكذب وحالة النفاق التى تتولد عنه.. لأنه السر الأكبر فى التداعى الأخلاقى الذى تعيشه الأمم، وهو المقدمة الكبرى لما تتعرض لها المجتمعات من انكسارات وانكفاءات.

ولو أنك استرجعت فيلم أو رواية «أرض النفاق» فسوف تجد أنها انتهت على البطل وهو يسرق شوال «حبوب صراحة» ويلقى بها فى النيل.. يشرب الناس العلاج، فتتبدل أحوالهم، ويعيشون لحظة صدق نادرة، يدركون فيها أن مشاكلهم التى كانوا يتصورون أنها بحجم الجبال حُلّت فى لحظة، لكن ما أسرع ما عادوا بعد ذلك إلى حياة الكذب.لقد وجد المؤلف الحل فى «ابتلاع حبوب الصراحة».

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أخلاق للبيع أخلاق للبيع



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 01:58 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تربح 31.4 مليار جنيه خلال شهر أغسطس

GMT 23:21 2020 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

بورصة بيروت تغلق على تحسّن بنسبة 0.37%

GMT 13:08 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

7 قواعد للسعادة على طريقة زينة تعرف عليهم

GMT 01:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

باحثون يؤكدون تقلص عيون العناكب الذكور بنسبة 25%

GMT 15:46 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

كارل هاينز رومينيجه يشيد بسياسة هاينكس

GMT 12:17 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

Mikyajy تطلق أحمر شفاه لعاشقات الموضة والتفرد

GMT 16:48 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

المقاصة يسعى لاستعادة الانتصارات أمام الانتاج

GMT 14:39 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

"ثقافة أبوقرقاص" تنظم فعاليات في قرية الكرم وقصر الإبداع

GMT 01:22 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

العسيلي والليثي يطرحان أغنيتهما الجديدة "خاينة"

GMT 19:11 2015 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

مركز "محمود مختار" يستضيف معرض الفنان وليد ياسين

GMT 03:33 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

دار VIDA للمجوهرات تطرح مجموعة جديدة لامرأة الأحلام
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon