توقيت القاهرة المحلي 15:40:10 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أخلاق للبيع

  مصر اليوم -

أخلاق للبيع

بقلم - د. محمود خليل

يبدأ فيلم أرض النفاق -القصة الشهيرة للراحل يوسف السباعى- بمشهد لدكان عطار تتصدره يافطة مكتوب عليها «أخلاق للبيع»، ولا أجدنى بحاجة لأن أحكى لك ما تعلمه من تفاصيل الفيلم، لكننى أريد التوقف عند تاريخ إنتاجه وما يشير إليه من دلالات، ونحن بصدد مناقشة قضية الأخلاق.

أنتج فيلم «أرض النفاق» عام 1968 فى سياق لحظة مكاشفة كانت تعيشها مصر بعد نكسة يونيو، الفيلم شيد أحداثه على حقيقة التردى الأخلاقى الذى ضرب المجتمع، ومثّل سبباً من أسباب ما حدث، وجوهرها حالة النفاق التى ضربت بأذاها جميع أرجاء المجتمع، فتغلغلت داخل الأسر، وفى الشارع، وفى المؤسسات العامة.

ولو أنك فتشت فى معنى النفاق فستجد أنه يتمحور حول فكرة «الكذب المصنوع»، أو بعبارة أخرى الكذب الهادف إلى الاسترزاق وتحقيق المغانم والمكاسب: «وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ».

فى الحديث النبوى الشريف الذى يشرح آيات المنافق تجد الكذب على رأسها: «إذا حدّث كذب».. وكل ما يأتى بعد هذه العلامة هو تأسيس عليها، فخُلف الوعد كذب، وخيانة الأمانة والعهد كذب، والغدر كذب، وأصل الفُجر فى الخصومة هو الكذب.

وفى القرآن الكريم إشارات متنوعة إلى ممارسة المنافقين لألوان شتى من الكذب، وقد وضع الله الصادقين فى مقابل المنافقين.. يقول تعالى: «لِّيَجْزِىَ الله الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ».. وثمة إشارات إلى كذبهم على السماء.. يقول تعالى: «إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ الله وَهُوَ خَادِعُهُمْ».

الكذب ممقوت فى كتاب الله لأنه أصل التداعى فى حائط الأخلاق داخل أى مجتمع، واللافت أنه كان ممقوتاً حتى داخل المجتمع العربى قبل بعثة النبى، صلى الله عليه وسلم، يمكنك أن تستدل على ذلك من مشهد أبى سفيان وهو يجلس أمام النبى ليبايعه على الإسلام، فقد قال له النبى: تبايعنى على ألا تكذب، فرد عليه مستنكراً: أو يكذب الرجل؟أو يكذب الرجل؟.. سؤال عجيب أراد به أبوسفيان أن يثبت أن الرجولة صدق، وأن الرجل الحقيقى ليس بحاجة إلى الكذب، وأن الأمر لا يحتاج إلى أن يؤمن بدين حتى يلزم الصدق فى حياته، إدراكاً منه لحقيقة أن الصدق هو أصل السلامة الأخلاقية للمجتمعات، والكذب جوهر التداعى فيها.هذا المعنى تجده حاضراً بشكل صريح فى حديث النبى العربى، صلى الله عليه وسلم.

فقد سأله أحدهم: يا نبى الله هل يزنى المؤمن؟ قال: قد يكون من ذلك، قال: يا رسول الله هل يسرق المؤمن؟، قال: قد يكون من ذلك.

قال: يا نبى الله هل يكذب المؤمن؟ قال: لا، ثم أتبعها بقوله تعالى: «إِنَّمَا يَفْتَرِى الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ».

إلا الكذب وحالة النفاق التى تتولد عنه.. لأنه السر الأكبر فى التداعى الأخلاقى الذى تعيشه الأمم، وهو المقدمة الكبرى لما تتعرض لها المجتمعات من انكسارات وانكفاءات.

ولو أنك استرجعت فيلم أو رواية «أرض النفاق» فسوف تجد أنها انتهت على البطل وهو يسرق شوال «حبوب صراحة» ويلقى بها فى النيل.. يشرب الناس العلاج، فتتبدل أحوالهم، ويعيشون لحظة صدق نادرة، يدركون فيها أن مشاكلهم التى كانوا يتصورون أنها بحجم الجبال حُلّت فى لحظة، لكن ما أسرع ما عادوا بعد ذلك إلى حياة الكذب.لقد وجد المؤلف الحل فى «ابتلاع حبوب الصراحة».

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أخلاق للبيع أخلاق للبيع



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 07:41 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه
  مصر اليوم - ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه

GMT 09:43 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

GMT 05:12 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

تصريح عاجل من بلينكن بشأن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة

GMT 09:08 2018 السبت ,24 آذار/ مارس

لعبة Sea of Thieves تتوافر مجانا مع جهاز Xbox One X

GMT 08:25 2024 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

طائرة "مناحم بيغن" تتحول لفندق ومطعم

GMT 21:48 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

بالميراس يقترب من التعاقد مع دييجو كوستا

GMT 18:37 2020 الثلاثاء ,29 كانون الأول / ديسمبر

شركات المحمول تتجه لرفع أسعار الخدمات خلال 3 شهور

GMT 08:43 2020 الأحد ,20 كانون الأول / ديسمبر

منظمة الصحة في ورطة بسبب "التقرير المفقود" بشأن "كورونا"

GMT 07:47 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

تطورات جديدة في واقعة الاغتصاب الجماعي لفتاة داخل فندق

GMT 00:41 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

عمر ربيع ياسين يكشف آخر كواليس معسكر منتخب مصر

GMT 12:05 2020 الجمعة ,04 كانون الأول / ديسمبر

فيفا عبر إنستجرام يبرز نجوم مصر محليا وقاريا

GMT 07:41 2020 الخميس ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

أسعار الفاكهة في مصر اليوم الخميس 19 تشرين الثاني/نوفمبر 2020

GMT 01:42 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

بايرن ميونخ يعلن ضم موتينج ودوجلاس كوستا في أقل من نصف ساعة

GMT 22:56 2020 الخميس ,01 تشرين الأول / أكتوبر

تسريب جديد للمُقاول الهارب محمد علي "يفضح" قطر
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon