توقيت القاهرة المحلي 20:18:05 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«جرّة» المتسول

  مصر اليوم -

«جرّة» المتسول

بقلم - د. محمود خليل

فى كتاب «عادات المصريين المحدثين وتقاليدهم» عبّر الكاتب «إدوارد لين» عن دهشته من الحجم الكبير من المتسولين الذين يسرحون فى أنحاء «المحروسة» خلال العقد الثالث من القرن التاسع عشر، وتندّر على حكاياتهم التى لا تختلف كثيراً عن الحكايات التى تطالعها اليوم حول هذا المتسول أو ذاك الذى مات فاكتشف من حوله أنه كان يرقد على ثروة كبيرة.

من ذلك على سبيل المثال تلك الحكاية التى يقصها «لين» عن متسول كانت لديه ابنة صغيرة يسرح معها على مدار اليوم، ويمد يده لكل عابر طريق، أو تاجر يقف أو يجلس أمام دكانه، ويسأله قطعة فضة أو وجبة عشاء أو رغيف عيش وهكذا. وكان له صديق تركى يعمل شحاذاً هو الآخر، وكان من عادة المصرى أن يدعو صديقه التركى للعشاء وتدخين «الحشيشة»، بعد أن ينتهيا من ساعات عملهما.

وذات يوم غاب المصرى عن البيت فى أمر ما، وترك ابنته وحيدة، ذهب التركى كعادته كل ليلة ليلتهم وجبة العشاء ويدخّن مع صديقه، فلم يجده، رحّبت به الابنة ودعته إلى الدخول، وأخبرته بأن أباها ذهب لمشوار وسوف يعود، وقد يلحق بهما على العشاء.

جلس التركى وابتلع الأطباق التى قُدّمت له، ثم جمعت الفتاة الأطباق وشرعت فى غسلها.. وبينما كانت تفعل ذلك همّ «التركى» بالقيام ليعود إلى بيته، فإذا بيده تصطدم بجرة، فوقعت واندلقت منها على الأرض أكياس من المال، بلغت 110 أكياس (أى حوالى 550 جنيهاً). وهذا المبلغ فى ذلك الزمان لم يكن يملكه إلا كبار الأثرياء.استولى «التركى» المتسول على خبيئة صديقه المتسول المصرى، وفرّ من المنزل.

عاد صاحب الخبيئة فاكتشف ما حدث، فهرول إلى القلعة واشتكى التركى واتهمه بالسرقة، فقُبض على الأخير، واعترف بعملته، وكان قد صرف جزءاً يسيراً من المبلغ، فتم رد الباقى إلى صاحبه، وعُوقب السارق بالحرمان من التسول فى ما بعد!.تشير العقوبة إلى أن التسول فى ذلك الزمان مثّل حالة عادية من الحالات التى يمكن أن يكون عليها أفراد الطبقات الدنيا من أبناء المجتمع، وأن الحكومة لم تكن تجد فيه مانعاً، بل وترى أن المال الذى جمعه الشخص بالتسول هو حق خالص له.والدليل على ذلك أنها ردّت المال إلى المتسول، ولم تصادره.

زاد عدد المتسولين فى شوارع مصر فى تلك الفترة إلى حد دفع «أدوارد لين» إلى القول إن السواد الأعظم من الجنسين من أبناء الطبقات الدنيا فى القاهرة وغيرها من المدن كانوا يجنون رزقهم بالتسول، وكان يرى أن أغلب هؤلاء كانوا يستسهلون التسول الذى يمكّن صاحبه من جمع مال كثير بمجهود قليل، وأن أغلبهم أفاكون يرتدون الأثواب البالية وهم يملكون فى الحقيقة الكثير من المال.

أشياء كثيرة اختلفت فى مصر عند الانتقال من القرن التاسع عشر إلى العشرين، وعند الانتقال من العشرين إلى الحادى والعشرين، لكن مشاهد التسول بقيت فى صور جديدة كثيرة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«جرّة» المتسول «جرّة» المتسول



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:36 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الأمير الحسين يشارك لحظات عفوية مع ابنته الأميرة إيمان

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 13:24 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

GMT 19:37 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مروة صبري توجّه رسالة لشيرين عبد الوهاب بعد ابتزاز ابنتها

GMT 09:03 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 12:19 2018 الإثنين ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مصر تحصد 31 ميدالية متنوعة مع ختام بطولتي الرماية

GMT 13:55 2018 السبت ,06 تشرين الأول / أكتوبر

الهلال يستضيف الزمالك في ليلة السوبر السعودي المصري

GMT 06:08 2024 الإثنين ,09 أيلول / سبتمبر

عطور نسائية تحتوي على العود

GMT 08:19 2022 الأحد ,25 كانون الأول / ديسمبر

أزمة الطاقة وسيناريوهات المستقبل

GMT 19:18 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

الطرق الصحيحة لتنظيف الأثاث الجلد

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon