بقلم - د. محمود خليل
كلنا يؤمن أن الله تعالى هو «الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ» وأن رزق الإنسان مكتوب عند الله تعالى: «وَفِى السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ».. ولا يدرى الإنسان ما هو مخبأ له على هذا المستوى «وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا».لقد أراد الله فى قرآنه الكريم أن يعلمنا أن «الرزق بيده وحده» وليس بيد أحد من عباده، وأن على الإنسان ألا يهدر نفسه أو يسكب كرامته على باب أحد من أجل الحصول على رزقه.
تأكيد القرآن الكريم على حقيقة أن الرزق فى السماء، لا يصلح كبوابة لتبرير الفقر أو الحرمان، لأنه دعوة إلى إعلاء الكرامة، ونهى للإنسان عن المذلة عند طرق أبواب الرزق، وتحذير من طأطأة الرأس أمام فرد أو كيان، لأنه يشكل مصدر رزقه.
الله تعالى لا يرضى لعباده المهانة وهو الذى كرمهم جميعاً دون أى تمييز: «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِى الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا».ربط مسألة الرزق بالسماء يمثل دعوة من الخالق العظيم لبنى آدم إلى عدم إهدار أنفسهم أمام بعضهم البعض، وليس معناه إهدار الاجتهاد أو الأخذ بالأسباب من أجل اكتساب الرزق، لأن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة.الله تعالى أوجد الإنسان على الأرض وطلب منه السعى والعمل والتماس الرزق فى دروبها: «هُوَ الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِى مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ»..
الرزق إذن مقدّر فى السماء، لكن لا بد من السعى إليه على الأرض، وعندما يركن الإنسان إلى الكسل، أو يلتمس الطرق الخاطئة فى البحث عنه، فعليه ألا يلوم إلا نفسه، ولا يتمحك بالسماء، أو يتأمل أن السماء التى قدرت عليه رزقه فى لحظة سوف تبسط الرزق له فى أخرى، وهو جالس لا يفعل شيئاً.المحك دائماً هو السعى على الأرض، فهناك من يسعى فى إعمار أركانها امتثالاً لرسالة الإنسان على الأرض: «هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا».
وهناك من يسعى فيها سعياً فاسداً: «وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِى الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ».من يتخذ الوسائل الخطأ فى السعى عليه ألا ينظر إلى ثمرة سعيه كنتيجة قدرية، وكذلك من يتخذ الوسائل الصائبة، فكلاهما يقف أمام نتائج وضع لها مقدمات على الأرض.
والله تعالى وعد البشر جميعاً ودون أى نوع من التمييز بأن من يحتكم إلى مقدمات صائبة لا بد أن يصل إلى نتائج مفيدة: «وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى».الرزق طلب على الأرض وقدر فى السماء، وللمصريين مثل بديع يرددونه فى هذا السياق يقول: «عزم وقرط وأكل العيش نصيب»، الاجتهاد فى تصويب الأخطاء وحل المشكلات أجدى من البحث عن شماعات من السماء.