توقيت القاهرة المحلي 16:43:37 آخر تحديث
  مصر اليوم -

لا أستطيع العيش بعقل ميت

  مصر اليوم -

لا أستطيع العيش بعقل ميت

بقلم - د. محمود خليل

بدأ «آدم الصغير» يشعر ببعض الراحة بتراجع السعال.. فبعد أن كان يسعل كل 20 ثانية.. أصبح يسعل من وقت إلى آخر.. بدأ يتفاءل بالقادم.. نظر إليه جده وقال: «أشعر أنك أفضل الآن».. «الحمد لله.. كل شىء فى الجسد يهون.. إلا وجع القلب.. والسعال كان يهد قفصى الصدرى.. ويحرك قلبى من مكانه.. لدرجة أننى كنت أتحسس أين ذهب فى أحيان أخرى».. نظر إليه الجد بابتسامة رضا وهو يردد هذه الكلمات ثم قال له: «الشدة للرجال يا ولدى.. أجدادك خاضوا شدائد مثلك.. وخرجوا منها أقوى.. الشدة تشد عودك.. لتصير أقوى وأقدر على المواجهة.. جدك مصطفى بلغ عقل وفعل الرجال فى عمر الصبا.. صنعته الشدة».

يظهر «مصطفى» وهو يدخل شارع البندقانيين من ناحية شارع الوراقين.. تتراص دكاكين العطارة وبيع البارود إلى جوار بعضها البعض.. يبدو الشارع مزدحماً بالتجار والزبائن تتعالى فيه أصوات الفصال بين الطرفين.. ويصرخ فيه الزبائن بضرورة تجربة البارود قبل دفع ثمنه.. يسير «مصطفى» بخُطى سريعة متزنة حتى يصل إلى دكان المعلم «أحمد ميلاد» وهو يتوسط الشارع الذى يبدأ من «الوراقين» وينتهى عند «الحمزاوى».. يدخل «مصطفى» الدكان ويلقى السلام على المعلم «ميلاد»:

- مصطفى: السلام عليكم يا معلم.

- ميلاد (بابتسامة): وعليكم السلام والرحمة.. اسمح لى يا مصطفى يا ولدى.. أنا مستغرب حالك.

- مصطفى: ما الغريب يا معلم فى أمرى؟

- ميلاد: أنت أول صبى يدفع من جيبه لمعلمه.. كل الصبيان الذين يعملون فى دكاكين البندقانيين يقبضون من معلميهم.. أما أنا فأقبض منك آخر اليوم.

- مصطفى: العقد شريعة المتعاقدين.. أنت تعطينى المعرفة التى سأربح منها الكثير فيما بعد.. تعلم أننى استأجرت دكاناً بالشارع.. لكننى لا أريد أن أبدأ على جهل.. أريد بداية على نور.. وأنت تنير لى طريق التجارة.

- ميلاد: رحم الله والدك يا مصطفى.. ألم تعرف بعد أين ترقد عظامه؟.

- مصطفى (بأسى): لا يا معلم.. لكننى لا أنسى.. وسوف يأتى يوم أعرف فيه.

أراد مصطفى أن يبدأ مشواره بالمعرفة.. فاتجه إلى صديق والده المعلم أحمد ميلاد لينير له الطريق.. وعرف من خلال عمله معه فى دكانه كل صغيرة وكبيرة فى تجارة البارود.. من أين يأتى به؟.. ولمن يبيع؟.. ومن الزبائن الذين يدفعون فيه خصوصاً من العربان الذين يحتاجون إليه بشدة لمواجهة طغيان الترك أو طمع بقايا المماليك فيما يضعون أيديهم عليه؟.. وكان فى باله هدف معين من وراء التعامل مع العرب.. عرف أيضاً فى دكان المعلم «ميلاد» كيف يفرق بين البارود الحقيقى والآخر المغشوش.. ومعلومات أخرى كثيرة عن صناعته وتجارته.وبعد أن تعلم كل شىء عن تجارة البارود سارع «مصطفى» إلى تعلم اللغة الإنجليزية، فتعلمها بسهولة بسبب إتقانه الفرنسية. وكان هدفه من ذلك تسهيل مسألة عقد صفقات شراء براميل البارود، وخصوصاً من الإنجليز الذين ينتشرون فى بر مصر.

قال لنفسه إن الزمن القادم هو «زمن الإنجليز» ولابد أن أتعلم لغتهم من أجل الزمن ومن أجل التجارة.خدمت الظروف «مصطفى» حين وقعت حادثة خطيرة بعد عدة أشهر من بدء العمل بدكانه. كان ذلك فى أحد أيام رمضان، حين كان أحد كبار التجار بشارع البندقانيين يبيع برميلين معبأين بالبارود.

طلب المشترى تجربة البارود قبل شرائه، فجربه له التاجر فى قطعة حبل، رضى الشارى بالبيعة، فوضع صاحب البارود الحبل الذى لم يزل مشتعلاً إلى جواره ثم بدأ يزن له المطلوب، ومع الإهمال تساقطت حبات من البارود على الحبل ولك أن تتوقع الباقى. انفجار عظيم وقع فى الحانوت وامتد بالطبع إلى الحوانيت والبيوت المجاورة إلى درجة سماع صوته فى الأزهر والحسين، وأخذت الأجساد تتطاير ومعها البضائع، وطاشت قطع الرصاص والقصدير والنحاس لتصيب من قدر الله نصيباً للإصابة أو للموت فى هذه المحنة.

لم يكن مصطفى متعاطفاً مع الناس مثل أبيه، ويرى أن مقتله جاء بسبب عجزه عن العيش بوجدان ميت.. وعندما كانت أمه تعاتبه على ذلك كان يقول لها: «طالب عظام أبيه لا بد أن يعيش بقلب ميت.. أبى كان يقول: لا أستطيع العيش بوجدان ميت.. أما أنا فأقول: لا أستطيع العيش بعقل ميت».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لا أستطيع العيش بعقل ميت لا أستطيع العيش بعقل ميت



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 07:41 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه
  مصر اليوم - ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه

GMT 09:43 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

GMT 05:12 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

تصريح عاجل من بلينكن بشأن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة

GMT 09:08 2018 السبت ,24 آذار/ مارس

لعبة Sea of Thieves تتوافر مجانا مع جهاز Xbox One X

GMT 08:25 2024 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

طائرة "مناحم بيغن" تتحول لفندق ومطعم

GMT 21:48 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

بالميراس يقترب من التعاقد مع دييجو كوستا

GMT 18:37 2020 الثلاثاء ,29 كانون الأول / ديسمبر

شركات المحمول تتجه لرفع أسعار الخدمات خلال 3 شهور

GMT 08:43 2020 الأحد ,20 كانون الأول / ديسمبر

منظمة الصحة في ورطة بسبب "التقرير المفقود" بشأن "كورونا"

GMT 07:47 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

تطورات جديدة في واقعة الاغتصاب الجماعي لفتاة داخل فندق

GMT 00:41 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

عمر ربيع ياسين يكشف آخر كواليس معسكر منتخب مصر

GMT 12:05 2020 الجمعة ,04 كانون الأول / ديسمبر

فيفا عبر إنستجرام يبرز نجوم مصر محليا وقاريا

GMT 07:41 2020 الخميس ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

أسعار الفاكهة في مصر اليوم الخميس 19 تشرين الثاني/نوفمبر 2020

GMT 01:42 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

بايرن ميونخ يعلن ضم موتينج ودوجلاس كوستا في أقل من نصف ساعة

GMT 22:56 2020 الخميس ,01 تشرين الأول / أكتوبر

تسريب جديد للمُقاول الهارب محمد علي "يفضح" قطر
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon