توقيت القاهرة المحلي 15:46:44 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الولد يواجه «الغول»

  مصر اليوم -

الولد يواجه «الغول»

بقلم - د. محمود خليل

أول ما أدركه الخديو عباس الثانى أن المصريين لا يميلون فى العادة إلى التفاصيل، ولا يشغلون أنفسهم بها، إنهم يريدون فى الأغلب مجموعة من الشعارات العامة البراقة التى لا تجهد العقل فى التفكير من ناحية، وقادرة على دغدغة الوجدان من ناحية أخرى.

لم يكن هناك شعار أكثر قدرة على سرقة عقل ومغازلة وجدان المصريين، أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، من شعار «الجلاء»، أى جلاء الإنجليز عن مصر، وأن تكون مصر للمصريين.

كان المصريون بعد احتلال بلادهم على يد الإنجليز عام 1882 يعيشون إحساساً عميقاً بالمرارة، انقسموا قسمين؛ الأول باكٍ على الثورة العرابية وعلى «الولس الذى كسر عرابى» ويلصق بالخديو توفيق تهمة تسليم البلاد للإنجليز، وقسم لاعن للثورة التى قادها زعيم الفلاحين وما أورثته للبلاد من نكسات.

حالة تشتت كان يعيشها الشعب المصرى حينذاك، لا تقل ضراوة عن حالة التشتت التى كان يشعر بها عباس حلمى نفسه. فقد راح يتهم الجميع بقتل أبيه وهو فى الأربعين من عمره. فما أصابه من أمراض أدت إلى وفاته سببها الضغوط التى مارسها عليه العرابيون والإنجليز والباب العالى.

يحكى الخديو فى مذكراته أن صحة أبيه انهدت بسبب ما مورس عليه من ضغوط من جانب عرابى والإنجليز والباب العالى، وأنه رأى أن يستسلم لهذه الضغوط حماية للبلاد من الوقوع فى براثن حرب أهلية. لكنه فى المقابل كان يتعذب بإحساس إلصاق تهمة الاحتلال الإنجليزى لمصر لأبيه أو بعهد أبيه فى أقل تقدير.

الواضح أن هذا الأمر كان يؤرقه للغاية، لذلك فقد اختار طريقه منذ السنوات الأولى لحكمه بأن يظهر فى صورة العدو الشرس للإنجليز، والرجل الذى يريد أن يتم الاستقلال على يديه، ويبدو -والله أعلم- أن إحساساً كان يخالجه بأن ذلك هو السبيل الوحيد لغسل سمعة أبيه من ناحية، ومن ناحية أخرى تحقيق حلمه فى الاستفراد بمصر. وكانت أولى الخطوات التى اتخذها فى هذا السياق هى التخلُّص من وزارة مصطفى باشا فهمى، السياسى المنحاز للإنجليز والمدافع عن وجودهم فى مصر، وهو ما أغضب المعتمد البريطانى -اللورد كرومر- بشدة، ومنذ هذه اللحظة بدأ التوتر بين الرجلين حتى انتهى بعزل الخديو.كان يكفى جداً أن يسمع المصريون حاكمهم الشاب يتحدث عن «استقلال مصر» و«جلاء الإنجليز عن أراضيها» حتى ينبهروا ويهيموا به حباً، فما دام يتحدث عن «الجلاء والاستقلال» فمؤكد أنه حاكم وطنى من طراز رفيع، يقول كلاماً لم يسبق للناس أن سمعته من «توفيق» الذى سلَّم البلاد -من وجهة نظر قطاع منهم- للإنجليز حتى يحمى عرشه، ها هو الولد يواجه الغول الإنجليزى غير آبه بالعواقب، حتى ولو كان ثمن المواجهة عرشه.. هل هناك إبهار أكثر من ذلك؟

لم يهتم الناس بعد ذلك بالتفاصيل، فليس يهم أن يكون دفاع الخديو عن استقلال مصر أساسه التبعية للدولة العثمانية، وأن مصر ولاية عثمانية، وليست محمية إنجليزية، ولا يهم أن يكون الهدف من الاستقلال هو استفراد الخديو الشاب بحكم المصريين. هذه التفاصيل لم يكن يتوقف أمامها البسطاء من المصريين الذين أعجبتهم حماسة الخديو الشاب لإخراج الإنجليز من مصر، ولا تسأل عن التفاصيل، وقد تدعمت هذه الرؤية الشعبية حين رأوا النخب المصرية تقول بما يقول به الخديو فى حالة تناغم فريد، ولم يسألوا أيضاً عن التفاصيل التى تقول إن النخبة تتبنى نفس الرؤية التفصيلية للخديو بتحرير مصر من الإنجليز لإعادتها إلى حوزة الأتراك.

الحقيقة التاريخية تقول إنه لم يخلد فى العقل والوجدان الشعبى شىء من تفاصيل تجربة زعيم مثل مصطفى كامل «صديق عباس حلمى»، بل اكتفت الأجيال المتتالية من المصريين بتناقل شعاره الذى يقول: لو لم أكن مصرياً لوددت أن أكون مصرياً.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الولد يواجه «الغول» الولد يواجه «الغول»



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024
  مصر اليوم - المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024

GMT 08:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 08:32 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات
  مصر اليوم - ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات

GMT 07:41 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه
  مصر اليوم - ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه

GMT 08:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

أحمد الشرع تُؤكد أن سوريا لن تكون منصة قلق لأي دولة عربية

GMT 03:29 2020 السبت ,14 آذار/ مارس

بورصة تونس تغلق التعاملات على انخفاض

GMT 14:03 2020 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أول تعليق من محمد منير بعد وفاة مدير أعماله وزوج شقيقته

GMT 06:49 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

عزل ترامب

GMT 11:48 2019 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

هاشتاج أمينة خليل يشعل مواقع التواصل الاجتماعي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon