بقلم - د. محمود خليل
الناس بطبيعتهم مختلفون، يصعب أن يتفقوا على رأى أو شخص أو موقف أو فكرة من الأفكار. على وتر الاختلاف يعمل الاقتصاديون ومنتجو السلع والخدمات، فتجد على نفس الرف عشرات الأنواع من نفس السلعة، وكل سلعة تجد سوقها، لذلك قيل «لولا اختلاف الأذواق لبارت السلع».
الاختلاف إذاً هو الحالة الطبيعية للبشر، لكن يحدث فى بعض الأحوال أن يسعى البعض إلى تحويل الاختلاف إلى انقسام، وهنالك تظهر الخطورة.
زمان اختلف الناس على عبدالحليم حافظ، فكان هناك من يعشق صوته، وهناك من يقلل من قيمة فنه ويرى أن صوت محمد قنديل أقوى منه وأكثر قدرة على الأداء المتميز، خرج فى عصر العندليب المطرب كمال حسنى وشدا بأغنية «غالى عليا»، الأغنية كسّرت الدنيا، وبدأ البعض يتحدث عن أن المطرب الجديد سيسحب البساط من أسفل أقدام «عبدالحليم»، ولم يحدث ذلك، إذ سرعان ما انطفأ نجم كمال حسنى.
اختلف جمهور «أم كلثوم» على أغنياتها، فهناك من انحاز قلباً وقالباً إلى الأغانى التى لحنها «السنباطى»، وهناك من انحاز إلى كلثوميات عبدالوهاب، والبعض قال لا هذا ولا ذاك، بل كلثوميات بليغ حمدى.
الاختلاف فى الأذواق مسألة بشرية إنسانية، مثله مثل الاختلاف فى الآراء والمواقف ووجهات النظر، لكن الخطر كل الخطر أن يمسك الطرفان المختلفان فى خناق بعضهما البعض، ولا يحدث هذا إلا فى الحالة التى يتحول فيها الاختلاف إلى انقسام، يتربص فيه كل فريق بالآخر.
ثمة وسيلة بسيطة للغاية يمكن من خلالها تحويل أى اختلاف إلى انقسام. فالمختلفون عادة ما يتوزعون على فريقين، وليس على الأصابع التى تريد الانقسام سوى أن تتحرك لدعم فريق على حساب فريق آخر، وحبذا لو كان هذا الفريق هو الأقل على مستوى أنصاره أو المنحازين له. فاستفزاز الفريق الأكبر عدداً أو الأكثر أنصاراً هو وحده الكفيل بإشعال المواقف.
زمان انقسم أمراء المماليك إلى فريقين: «القاسمية» و«الفقارية»، الفريق الأول من أتباع قاسم بك، والثانى أنصار «ذو الفقار بك»، والفريقان متناحران متحاربان، كلما ضعف منهما فريق وجد من يدعمه ويحاول إقالة عثرته، مما يستفز الفريق الآخر، فيشتعل الصراع من جديد.
وعلى المستوى الشعبى توزع البشر العاديون ما بين فريقين: أولهما فريق «أولاد البلد» من المواطنين العاديين، وثانيهما «أولاد الناس» يعنى أولاد الأمراء المماليك. كان أولاد الناس يجدون من يشعل غضبهم -بحكم أنهم الفريق الأقل عدداً- ضد أولاد البلد فيسومونهم سوء العذاب، ويطاردونهم فى الشوارع والبيوت.
إذا كان الاختلاف صحة.. فالانقسام مرض. فالاختلاف سنة من سنن الله فى خلقه، لكن الانقسام خطر يهدد المجتمعات، وينذر بما هو أخطر على مستقبلها.. قد يجد البعض فى أجواء الانقسام مناخاً مواتياً للاستمرار، لكن يبقى أن صالح المجموع يرتبط بعدم تحويل الاختلافات البشرية الطبيعية إلى عداءات تؤدى إلى التناحر.