توقيت القاهرة المحلي 12:40:01 آخر تحديث
  مصر اليوم -

شارع «الآلام»

  مصر اليوم -

شارع «الآلام»

بقلم - د. محمود خليل

من اللافت للغاية أن يطلق اسم «الصليبة» على شارع ارتبطت به العديد من الأحداث الكبرى فى عهد سلاطين وولاة مصر المملوكية ثم العثمانية ثم العلوية. ويفسر البعض ذلك بالهيئة الجغرافية للشارع الممتد من آخر شارع الخضيرى حتى ميدان القلعة، الذى تكثر فيه التقاطعات الخاصة بشوارع أخرى ممتدة يميناً وشمالاً، مما جعله يأتى على شكل صليب فى العديد من مواضعه، وإذا كان تفسير الجغرافيا كذلك، فقد تجد تفسيراً آخر فيما يتعلق بخطوط التاريخ التى ترتسم على وجه هذا الشارع العريق، تشهد على حالة الذوبان التى تحدث بين المكان والإنسان.

فقد شهد هذا الشارع الكثير من الآلام، بل يصح أن تصفه بـ«شارع الآلام». ففى شارع الصليبة عاش السلطان «طومان باى» آلام الهزيمة بعد أن تمكّن منه السلطان سليم الأول العثمانى وهزمه فى معركة الريدانية 1517، وبين أهله اختفى السلطان المهزوم وأخذ يكر على العثمانيين بالتعاون مع عدد من المماليك والأهالى الذين التفوا حوله، فيما يشبه حرب العصابات. وما أكثر ما كان أهل الشارع يستيقظون -فى مشاهد أخرى- على المعارك الدامية بين جنود الوالى العثمانى والطموح على بك الكبير الذى أراد الاستقلال بمصر عن السلطنة العثمانية.

فى شارع الصليبة شهد الأهالى الزعيم محمد كريم وجنود نابليون يسحبونه لتنفيذ حكم الإعدام فيه وهو لا يملك من أمره شيئاً، غير الصراخ بعبارة «اشترونى يا مسلمين» بأن يدفعوا له الفدية التى اشترطها نابليون ليعتقه من القتل. يقول الجبرتى: «وشقوا به الصليبة إلى أن ذهبوا إلى الرميلة وكتفوه وربطوه مشبوحاً (مصلوباً) وضربوا عليه بالبنادق كعادتهم فيمن يقتلونه، ثم قطعوا رأسه ورفعوها على نبوت وطافوا بها بميدان الرميلة والمنادى يقول هذا جزاء من يخالف الفرنسيس».

فى شارع «الصليبة» شهد الأهالى مواكب المماليك وهى تتدفق إلى المذبحة التى نصبها لهم محمد على فى القلعة، وسمعوا طلقات البارود وهى تدوّى ورأوا دماء المماليك وهى تتقاطر من فوق أسوار القلعة. وشهد بعض أهله أيضاً «أمين بك» المملوك الوحيد الناجى من المذبحة بعد أن قفز بحصانه من فوق سور القلعة، وقفز من فوقه قبل أن يرتطم بالأرض.

فى حى الصليبة عاش الزعيم مصطفى كامل الذى اختلطت فى قلبه محبة الوطن بخيوط الألم. وظل يدافع عن حق مصر فى الاستقلال وينادى بجلاء الإنجليز عن أرضها ولا يأبه لقلبه الواهن الضعيف، حتى بلغ لحظة لم يستطع فيها الصمود فسقط من الألم والإعياء وقابل وجه ربه.

يُنكر بعض الأثريين مسألة تسمية الشارع العريق بـ«الصليبة» ويقولون إن المستشرقين هم من أطلقوا عليه هذا الاسم، ويرون أن الشارع يأخذ شكل «التربيعة»، لكن حقيقة جغرافية الشارع تقول إنه بالفعل «صليبة»، ومن عجب أن جغرافية الشارع صادقت تاريخه بشكل يدعو إلى التأمل، تدرك ذلك بوضوح كلما قربت العدسة من أى ذرة من ذرات هذا المكان وستجد أنها تحكى قصة ألم عاشها المصريون عبر تاريخهم المديد.

إنه الألم الواحد الذى صهر كل من سار فوق تراب أى شارع من شوارع المحروسة ولم يستثن وهو يضرب أبناء المحروسة أحداً.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

شارع «الآلام» شارع «الآلام»



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 00:26 2021 الأربعاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يضيف لسجله أرقاماً قياسية جديدة

GMT 10:18 2020 الجمعة ,26 حزيران / يونيو

شوربة الخضار بالشوفان

GMT 08:15 2020 الثلاثاء ,09 حزيران / يونيو

فياريال يستعين بصور المشجعين في الدوري الإسباني

GMT 09:19 2020 الجمعة ,24 إبريل / نيسان

العالمي محمد صلاح ينظم زينة رمضان في منزله

GMT 09:06 2020 الأربعاء ,22 إبريل / نيسان

تعرف علي مواعيد تشغيل المترو فى رمضان

GMT 12:50 2019 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

علالو يؤكّد الجزائر "تعيش الفترة الأهم في تاريخ الاستقلال"

GMT 04:46 2019 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

اتجاهات ديكور المنازل في 2020 منها استخدام قطع أثاث ذكي

GMT 00:42 2019 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

بدء تصوير فيلم "اهرب يا خلفان" بمشاركة سعودية إماراتية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon