توقيت القاهرة المحلي 07:53:45 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«اللي في القلب في القلب»

  مصر اليوم -

«اللي في القلب في القلب»

بقلم - د. محمود خليل

تعوّد بعض المماليك أن يلاقى بعضهم بعضاً بالبِشر والترحاب وأحلى الابتسامات وأجمل الكلمات، وما إن يُدِر أحدهم ظهره للآخر حتى يبدأ فى «المأوزة» عليه والطعن فيه بما يليق وما لا يليق، وذلك إذا كان يريد اغتياله معنوياً، أما إذا أراد اغتياله مادياً، امتدت إليه يده بالأذى، تماماً مثلما فعل «بيبرس» مع «قطز»، حين دخل إليه راكعاً يدعو له بدوام ملكه، وفى لحظة خاطفة غدره والأمراء بسيوفهم.

وكما فعل رجال البلاط القلاوونى مع الأشرف خليل، حين أطاح ببعض منهم، فتشفعوا عنده وتذللوا حتى يعيدهم إلى مواقعهم من جديد (تمسكنوا)، وانطلقوا يمتدحون نبل أخلاقه وطيب أصله فى حضرته، ومن ورائه أخذوا يدبرون لقتله، وتولى كِبر المؤامرة حسام الدين لاجين والأمير بيدار حين خرجوا معه للصيد، و(تمكنوا) من تحقيق مخططهم ليرث الأمير بيدار موقعه فى السلطنة.

الأمير المملوكى كان على أتم الاستعداد ليُسمع أى إنسان ما يروقه من كلمات فى مواجهته، ويبقى بعد ذلك اللى فى القلب فى القلب، ولكن عندما يختفى هذا الإنسان من أمامه يسلقه بلسان حاد.

ومن المضحك أن المصريين تعلموا هذا الدرس من المماليك على حياة عينهم، وقبل أن يتعرضوا للمحنة التى تعرضوا لها على يد محمد على فى مذبحة القلعة.يحكى «الجبرتى» فى «عجائب الآثار فى التراجم والأخبار» أن المشايخ والعلماء دأبوا على مشاركة «نابليون» -خلال احتلاله للبلاد- الاحتفالات التى يرتبها لبعض المناسبات الفرنسية، كمناسبة قيام الجمهورية، بإعداد الثريد الذى تغطيه طبقة شامخة من الأرز الذى يأخذ ثلاثة ألوان، هى ألوان العلم الفرنسى، إرضاءً لسارى عسكر.

كان العلماء يفعلون ذلك والأهالى يأكلون ويرقصون «واللى فى القلب فى القلب»، فنظرتهم إلى نابليون كغازٍ محتل لم تتغير، وكانوا جميعهم ينتظرون اللحظة التى يخرجونه فيها من البلاد.. وقد كان.للمصريين مثل شهير، يضرب بجذوره فى الثقافة المملوكية، يقول: «فى الوش مراية وفى القفا سلاية».

وهو يصف حال الشخص الذى يلقى لك أذناً واعية يسمع بها منك ما تريد البوح به، ويظهر لك وهو يستمع كقلب مخلص، وعقل يشاركك التفكير فيما تقول، وتشعر معه وأنك تجلس أمام نفسك (مراية)، حتى إذا تركته وجدته يجلس إلى غيرك يتسلى معه عليك بما سمع منك، ويحولك إلى «سلاية»، أى مادة للتسلية.

هذا النوع من الأداء قد يكون له مبرره مع عدو، كما كان يؤدى الأجداد مع نابليون، فيقابلونه بوجه باسم ويكتمون ما فى قلوبهم من مشاعر غيظ نحوه كمحتل، يتحينون اللحظة التى يحررون بلادهم منه، ولكن أن يكون أساس الأداء مع صديق فهذا يعنى وصول صاحبه إلى مرحلة متقدمة من مراحل فقدان الإحساس بالذات، وبالتالى فقدان الإحساس بالآخرين.

فى الكثير من المواقف والمواضع تستطيع أن تعاين من يؤدون تبعاً لمعادلة «اللى فى القلب فى القلب»، ولكن قد تجد فى المقابل بشراً صفت قلوبهم، ظاهرهم كباطنهم، يفهمون معنى مقولة: «المجالس أمانات»، لا يجيدون الحديث بلسانين، بل بلسان واحد، تجلله الاستقامة. هؤلاء هم من يحتفظون بإحساسهم بذاتهم كبنى آدمين، الناجين من الثقافة المملوكية.

a

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«اللي في القلب في القلب» «اللي في القلب في القلب»



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 19:21 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

برشلونة يحتفل بذكرى تتويج ميسي بالكرة الذهبية عام 2010

GMT 11:32 2020 الجمعة ,25 كانون الأول / ديسمبر

دبي تهدي كريستيانو رونالدو رقم سيارة مميز

GMT 04:41 2020 الخميس ,24 كانون الأول / ديسمبر

وزارة الصحة الروسية تسمح بتغيير نظام اختبار لقاح "Sputnik V"

GMT 21:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

أول تعليق من نيمار بعد قرعة دوري أبطال أوروبا

GMT 06:29 2020 السبت ,17 تشرين الأول / أكتوبر

حمادة هلال يهنئ مصطفي قمر علي افتتاح مطعمه الجديد

GMT 07:23 2020 الجمعة ,16 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الجبس في مصر اليوم الجمعة 16 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 14:35 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

سموحة يعلن سلبية مسحة كورونا استعدادًا لمواجهة المقاصة

GMT 01:05 2020 الثلاثاء ,13 تشرين الأول / أكتوبر

الزمالك يقبل هدية الأهلي لتأمين الوصافة ويُطيح بحرس الحدود

GMT 15:44 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

سموحة يبحث عن مدافعين لتدعيم صفوفه في الميركاتو الصيفي

GMT 07:13 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الجبس في مصر اليوم الإثنين 12 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 06:34 2020 الأربعاء ,07 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل حفل عقد قران هنادى مهنا وأحمد خالد صالح

GMT 15:02 2020 الأربعاء ,30 أيلول / سبتمبر

خيتافي وفالنسيا يتقاسمان صدارة الدوري الإسباني
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon