بقلم - د. محمود خليل
شاء الله أن تختلف شخصية "الحسين بن علي" عن شخصية أخيه "الحسن"، رغم أن الفاصل الزمني بين مولديهما، رضي الله عنهما، لا يزيد عن عام، إذ ولد "الحسين" سنة 4 هجرية.تجربة "الحسن" في الحياة علمته "الواقعية"والاحتكام إلى الظرف، في حين تجربة "الحسين" ولدت لديه شوقاً خاصاً نحو التحليق في المطلق والبحث عن المثال، ومحاربة طواحين الشر حتى لو انفض الناس من حوله ووقف وحيداً في مواجهتها.7 سنوات عاشها "الحسين" في كنف جده النبي صلى الله عليه وسلم، وحوالي 7 سنوات ونصف في الظلال الورافة لأمه فاطمة رضي الله عنها. قد يعيش شقيقان في طفولتهما نفس الظروف والأحداث، لكن ردود أفعالهما نحوهما تختلف، والأثر الذي تتركه في نفس كل منهما يتباين. والواضح أن "الحسين" كان الأكثر حساسية، حين عاين أمه الغاضبة وهي تطلب ما اعتقدت أنه ميراثها من أبيها، في الوقت الذي رأى فيه الصديق أبو بكر أن الأنبياء لا يوروثون وما تركوه صدقة، ولم يقتنع بما قيل من أن النبي وهب أرض "فدك" لفاطمة قبل أن يموت، كان "الحسين" أيضاً الأشد حساسية وهو يرى أمه تمرض وتعتل صحتها حتى لقيت وجه ربها بعد وفاة الجد الحبيب بستة أشهر. هذه الحساسية دفعت "الحسين" في الكثير من الأوقات إلى تأييد توجه أبيه علي بن أبي طالب، حين قرر مواجهة عائشة وطلحة والزبير في موقعة الجمل، وحين عزم على السير لقتال معاوية في "صفين".حين وُلدت السيدة زينب بنت علي رضي الله عنهما سنة 5 هجرية كان "الحسين" في عمر السنة، وما إن شبت الطفلة حتى وجد فيها صورة من أمهما "فاطمة"، فقد تمتعت بالكثير من الخصال العبقرية التي امتازت بها الأم، وعلى رأسها قوة الشخصية، والدفاع الصلب عما تؤمن به، والثبات في المواجهة.تشارك "الحسين" مع شقيقته "زينب" في فكرة التحليق في المطلق والبحث عن المثال، في وقت التزم فيه شقيقهما الأكبر "الحسن" بخط واقعي في النظر إلى الحياة وما يتفاعل على مسرحها من أحداث. ورغم أن زينب أصغر من الحسين بعام واحد، إلا أن دورها في حياته لم يقف عند حد الشقيقة، بل تجاوزه في أحيان إلى دور الأم التي ترعى وليدها، وظلت السيدة زينب ملازمة للحسين حتى اللحظات الأخيرة في حياته.لك أن تتصور مقام شخصية وجدت طفولتها في حجر النبي صلى الله عليه وسلم، وعاشت شبابها ورجولتها وهي تستظل بحنان أقرب إلى حنان الأم، يتدفق من قلب شقيقته زينب.كل من النبي عليه صلاة الله وسلامه وحفيدته "زينب" كانا لا يقبلان أي إيذاء يصيب الحسين، حتى ولو كان صغيراً. يقول كتاب السيرة أن النبي خرج ذات يوم من عند عائشة فسمع حسيناً يبكي، فدخل إلى فاطمة وقال لها: ألا تعلمي أن بكاءه يؤذيني". ثم أمسك النبي بطفله الأثير وظل يرضيه ويضحكه حتى رضي وضحك. ولحظة أن استشهد الحسين على يد جنود يزيد بن معاوية صرخت السيدة زينب، وقالت وسكين الحزن يذبح قلبها: ليت السماء تقع على الأرض.عاش الحسين وحيداً في تركيبته الشخصية الباحثة عن المثال والهائمة في الحلم بالأفضل، ومات وحيداً في سبيل ما آمن به.