توقيت القاهرة المحلي 22:20:17 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أستاذتي الأولى

  مصر اليوم -

أستاذتي الأولى

بقلم - د. محمود خليل

رغم ما حمله خبر التحاقي بالجامعة من فرحة لأمي، إلا أنه وضعها في محنة، وأعادها من جديد إلى طرح سؤالها المعتاد: "يعني لازم الجامعة دي؟".

مصدر المحنة أنني لأول مرة سوف أسير وحدي في طريق، لا ليس ذلك وفقط، بل يُحتمل أن أعبر الشارع وحدي، أما ثالثة الأثافي فحددتها أمي في "ركوب الأتوبيس" وحدي.قبل ذلك لم تكن أمي تتركني أسير وحدي بحال، وحين كنت أتمرد عليها، كانت توعز إلى شقيقي الأكبر، المهندس أحمد خليل، متعه الله بالصحة والعافية، بأن يصحبني في أي طريق أسيره.

ما أكثر ما كنت ترجوه أمي قائلة: "امسك أخوك في يديك"، كنت أضحك من قولها، أما أخي فكان يحسم الموقف قائلاً: "سيبيه يعتمد على نفسه"، لكن أنى للعطوفة المشفقة أن تقبل بأن يسير ضعيفها هكذا بمفرده في الهواء الطلق؟.

ذهبت إلى الجامعة أول يوم مصحوباً بدعائها، تركتها لقلقها، أديت كما يؤدي أي طالب جديد خرج لتوه من المدرسة الثانوية، ووجد نفسه في عالم جديد داخل الجامعة، لكنني لم أستطع أن أنقل "جدول المحاضرات".. وكانت أزمة كبرى من وجهة نظر أمي!.نظرت إلى شقيقي الأكبر ورجته أن يذهب معي في اليوم التالي لينقل لي الجدول!.. هاودها أخي حتى لا يغضبها، واتفقت معه في أن يذهب إلى كليته "الهندسة"، وأن أذهب إلى كليتي "الإعلام"، وسأنقل الجدول، وحتى لو لم أفعل سأقول لها أني فعلت.

نقلت الجدول، وتم حل المشكلة في النهاية، لكن القلق بقي قائماً.. كنت أضحك منها ومعها وأقول لها: يا أمي لقد كبرت.. وأستطيع فعل الكثير من الأشياء بمفردي، ولكن هيهات.. وكيف لحجة عقل أن تعالج أم يقتات عليها القلق كلما ابتعد عنها ضعيفها.. حدثتها كثيراً أن في مقدوري أن أسير وحدي، وأعبر الشارع بمفردي، وأركب الأتوبيس مع الراكبين، وأنني لم أعد أشعر بمشكلة، لكنها كانت تبادرني قائلة: "كل خطوة يلزمها ألف سلامة".

هكذا كانت تفكر أمي، وكذلك كانت كل الأمهات يفكرن، خصوصاً من الجيل الذي مثلت البيوت بالنسبة له الحصن الحصين والركن الركين، الذي يتحقق فيه الأمن والسكن، كن يخفن من الشارع ومخاطره، ويؤمنّ أن كل خطوة فيه تحتاج إلى ألف سلامة من الله الرحمن الرحيم.

تواصلت مسيرة تفوقي في الجامعة، كنت أباهيها بما أفعل فتفرح، لكنا لم تنس ولو للحظة أن تذكرني بـ"أستاذتي الأولى".. كنت أساألها ملاطفاً: أستاذتي!.. من تكون؟.. فكانت ترد مؤنبة: "أول من علمتك كيف تقرأ اليافطات في الشوارع.. فأستفزها قائلاً: "أستاذة يدوب تجيد القراءة والكتابة".. فترد زاجرة: "بس علمتك!"صدقت أمي وكذبت.. فلا فضل لمعلم بعد ذلك الذي علمك كيف تفض لغز الأبجدية.. كيف تفك شفرة الكلمات والجمل.. كيف تقف أمام المعاني فتستوعبها.. لا يوجد من يعدل في الحياة الإنسانة التي علمتك أولى الحروف في سطر الحياة.. ليس هناك من يساوي من أخذت بيديك لأول مرة نحو امتلاك ناصية اللغة.نعم.. أمي بحق "استاذتي الأولى".

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أستاذتي الأولى أستاذتي الأولى



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 01:58 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تربح 31.4 مليار جنيه خلال شهر أغسطس

GMT 23:21 2020 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

بورصة بيروت تغلق على تحسّن بنسبة 0.37%

GMT 13:08 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

7 قواعد للسعادة على طريقة زينة تعرف عليهم

GMT 01:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

باحثون يؤكدون تقلص عيون العناكب الذكور بنسبة 25%

GMT 15:46 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

كارل هاينز رومينيجه يشيد بسياسة هاينكس

GMT 12:17 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

Mikyajy تطلق أحمر شفاه لعاشقات الموضة والتفرد

GMT 16:48 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

المقاصة يسعى لاستعادة الانتصارات أمام الانتاج

GMT 14:39 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

"ثقافة أبوقرقاص" تنظم فعاليات في قرية الكرم وقصر الإبداع

GMT 01:22 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

العسيلي والليثي يطرحان أغنيتهما الجديدة "خاينة"

GMT 19:11 2015 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

مركز "محمود مختار" يستضيف معرض الفنان وليد ياسين

GMT 03:33 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

دار VIDA للمجوهرات تطرح مجموعة جديدة لامرأة الأحلام
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon