توقيت القاهرة المحلي 16:35:32 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«الرقص» على «الزلازل»

  مصر اليوم -

«الرقص» على «الزلازل»

بقلم - د. محمود خليل

المتأمل لرحلة تفاعل العقل النخبوى -المصرى أو العربى- مع موضوع الزلازل يجد أنه مال إلى توظيفه كأداة من أدوات النفاق السياسى. وكان هذا النفاق يتوجّه فى القدم إلى الحكام، ومع تطور الزمان وجريان الأيام بات النفاق يتوجه إلى الشعوب.

تتعجّب وأنت تتابع شاعراً مثل «أبى العتاهية» الرجل الذى اشتُهر بشعر الزهد، المستغرق فى تحذير الناس من الولع بالدنيا، ونصحهم بالإعداد للآخرة ولقاء الله، يستخدم موضوع «الزلزال» كأداة للنفاق السياسى، وذلك فى سياق عجيب ارتبط بتجربة حب وغرام عاشها.

القصة بتفاصيلها تجدها عند «ابن كثير» فى كتابه «البداية والنهاية»، ويحكى فيها أن أبا العتاهية عشق جارية فاتنة من جوارى الخليفة «المهدى» اسمها عتبة، وقد طلبها منه غير مرة، لكن الجارية أبت ورفضت، لأنها لم تجد فيه رجلها، وأمام هذا الصد تفنّن «أبو العتاهية» فى التغزل فى «عتبة»، وكتب شعراً كثيراً يشكو فيه صدها عنه وزهدها فيه، ولم يُجدِ هذا نفعاً معها، فالتمس حيلة أخرى، اتجه فيها إلى نفاق الخليفة «المهدى» بشعر يصعد به إلى السماء، حتى يمنحه حبيبته.

ومن ضمن ما كتبه نفاقاً للمهدى الأبيات التى تقول: «أتته الخلافة منقادة * إليه تجرر أذيالها.. فلم تك تصلح إلا له * ولم يك يصلح إلا لها.. ولو رامها أحد غيره * لزلزلت الأرض زلزالها».. ها نحن أولاء بصدد مستوى من النفاق السياسى وظف فيه الشاعر موضوع «الزلازل» من أجل إرضاء الحاكم، واستدعى فيه آية الزلزال، وقد ظل «بشار بن برد» الشاعر الكبير وأحد معاصرى أبى العتاهية يعيّره بها زمناً طويلاً.

ولو أنك نقلت المشهد التاريخى من قصر الخليفة ببغداد إلى قصر الحكم الإخشيدى بمصر، وتحديداً فى عصر كافور الإخشيدى، فسوف تلاحظ اتصال خط «التوظيف السياسى للزلازل» فى نفاق الحكام. وقد كان «كافور» من الحكام الطيبين الأسخياء مع الشعب، كما تحكى كتب التاريخ، وقد حدث أن ضرب مصر فى عهده زلزال كبير، فمادت الأرض تحت أقدام الطيبين من أهل البلاد، وانهارت البيوت فوق رؤوسهم. فما كان من أحد الشعراء إلا أن استغل الموقف فى نفاق «كافور» ببيت الشعر الذى نعرفه جميعاً: «ما زلزلت مصر من كيد ألم بها.. لكنها رقصت من عدلكم طرباً».

العجيب أن خط التوظيف السياسى للزلازل ما زال متواصلاً حتى اليوم. ولو أنك تابعت زلزال القرن الذى ضرب تركيا وسوريا مؤخراً، فسوف تجد أن المنحازين للقيادة التركية أخذوا يتحدّثون عن نجاح معالجة الحكومة لآثار الزلزال، وعدد من انتشلتهم من تحت الأنقاض، فى حين تحدث المنحازون ضدها عن عدد الضحايا والمصابين، وأهمل الطرفان جانباً فى منتهى الخطورة يتعلق بانهيار الكثير من المنازل حديثة البناء فى المدن التركية، بسبب فساد ذمة المهندسين والمقاولين وعدم مراعاة أكواد البناء فى منطقة من المعلوم أنها عُرضة للزلازل. أما عن المعالجة السياسية لآثار الزلزال فى الشمال السورى فحدّث ولا حرج.

النفاق السياسى ملمح مهم من ملامح تعاطى العقل العربى «النخبوى» مع الكوارث والأزمات التى تضرب الشعوب، وعلى رأسها الزلازل، وقليلاً ما يلتفت هذا العقل إلى التعاطى العلمى أو حتى الإنسانى معها.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«الرقص» على «الزلازل» «الرقص» على «الزلازل»



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 07:41 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه
  مصر اليوم - ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه

GMT 09:43 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

GMT 05:12 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

تصريح عاجل من بلينكن بشأن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة

GMT 09:08 2018 السبت ,24 آذار/ مارس

لعبة Sea of Thieves تتوافر مجانا مع جهاز Xbox One X

GMT 08:25 2024 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

طائرة "مناحم بيغن" تتحول لفندق ومطعم

GMT 21:48 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

بالميراس يقترب من التعاقد مع دييجو كوستا

GMT 18:37 2020 الثلاثاء ,29 كانون الأول / ديسمبر

شركات المحمول تتجه لرفع أسعار الخدمات خلال 3 شهور

GMT 08:43 2020 الأحد ,20 كانون الأول / ديسمبر

منظمة الصحة في ورطة بسبب "التقرير المفقود" بشأن "كورونا"

GMT 07:47 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

تطورات جديدة في واقعة الاغتصاب الجماعي لفتاة داخل فندق

GMT 00:41 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

عمر ربيع ياسين يكشف آخر كواليس معسكر منتخب مصر

GMT 12:05 2020 الجمعة ,04 كانون الأول / ديسمبر

فيفا عبر إنستجرام يبرز نجوم مصر محليا وقاريا

GMT 07:41 2020 الخميس ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

أسعار الفاكهة في مصر اليوم الخميس 19 تشرين الثاني/نوفمبر 2020

GMT 01:42 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

بايرن ميونخ يعلن ضم موتينج ودوجلاس كوستا في أقل من نصف ساعة

GMT 22:56 2020 الخميس ,01 تشرين الأول / أكتوبر

تسريب جديد للمُقاول الهارب محمد علي "يفضح" قطر
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon