توقيت القاهرة المحلي 16:01:57 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الجبار والمُصلح

  مصر اليوم -

الجبار والمُصلح

بقلم - د. محمود خليل

تقدم لنا قصة نبي الله "موسى" لوحة جديدة ترسم الحقيقة الخالدة في رحلة البشر فوق الأرض، حقيقة أن الله تعالى هو صانع الأقدار. تلك الحقيقة التي تجد مفتاحها في الآية الكريمة من سورة طه التي تقول: "ثم جئت على قدر يا موسى واصطنعتك لنفسي".

تبدأ القصة برجل يرى في نفسه القدرة على صنع أقدار من حوله، رجل يزعم الألوهية لنفسه، ويطلب ممن حوله أن يعبدوه من دون الله، إنه المتفرعن "فرعون". حين علم الجبار "صاحب العقل الخفيف" من أحد عرافيه أن طفلاً سيولد من بني إسرائيل يضيع ملكه على يديه، قرر قتل كل وليد يولد داخل هذا الجمع الذي كان يعيش في مصر، لم يكن يعلم ان لله تدبيره، ولأقداره مشيئتها، وأن الطفل الذي أراد قتله، سوف يربيه هو بيديه، فكان ما كان مما تعلم، حين وُلد موسى عليه السلام، وألقت به أمه في اليم، وسار يتهادى فوق صفحة النيل داخل صندوق، حتى وصل إلى قصر الفرعون، نظرت إليه زوجته فرق قلبها له، وأحبته بإرادة الخالق: "وألقيت عليك محبة مني".

كان مشهداً مثيراً ذلك الذي يحكي عنه القرآن الكريم، حين تحدت إرادة الله غرور فرعون، فأخرج له من بني إسرائيل رجلاً كان يصفه بالضعة والتلعثم في القول: "أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين". ظن فرعون أنه بمقدوره أن يرسم أقدار البشر لمجرد أنه يملك المال والنفوذ ولحن القول.

مواجهة حامية خاضها موسى مع فرعون وملئه، استعان فيها بإيمانه بالله ويقينه بإرادته ومشيئته، ذلك الإيمان الذي تبدى بقوة حين واجهه أحد خصومه لما هم بأن يقتله بسبب اعتدائه على أحد أقاربه من بني إسرائيل، وهو ما سبق وفعله مع آخر: "فلما أراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما قال يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفساً بالأمس إن تريد إلا أن تكون جباراً في الأرض وما تريد أن تكون من المصلحين".

في هذه اللحظة استفاق موسى، وتنبه إلى الفارق بين الجبار والمصلح، فالجبار الذي يملك القوة يظن أن بإمكانه رسم أقدار الناس، أما المصلح فيعلم أن كل شىء بيد الله، إنه يسعى إلى تحسين أحوال من حوله، وتطوير ظروف الواقع الذي يعيش فيه إلى الأفضل، ثم يترك النتائج لله، فالله وحده هو صانع الأقدار: "إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب".

قدّر الله تعالى أن يهرب "موسى" إلى "مدين" ويتزوج من هناك، ثم يعود بعدها إلى مصر في لحظة قدرها الله أيضاً: "ثم جئت على قدر يا موسى"، وبدأ النبي رحلة كفاح كبيرة ضد فرعون، واجه فيها سحرته، وكهنته، ووزيره الأعظم هامان، وملئه من آل فرغون، متسلحاً بإيمانه بأن أمر الله نافذ: "وكان أمر الله قدراً مقدوراً".

وانتهت المواجهة بمشهد شديد الإثارة، إذ كان فرعون وجنوده يهرولون وراء موسى وقومه من بني إسرائيل، وهو يخرج بهم من مصر، حين شق "موسى" بعصاه البحر فانفلق فكان كل فرق كالجبل العظيم، ومر "موسى" وقومه، هنالك هرول فرعون وجنوده وراءهم، ولحظتها التئم ماء البحر، ليغرق فرعون ومن معه.. ذلك المتكبر الذي أعماه غباؤه عن إدراك حقيقة أن من يسّر لموسى أن يفلق البحر بعصاه قادر على رده إلى سيرته الأولى ليغرق المغرور فيه.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الجبار والمُصلح الجبار والمُصلح



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024
  مصر اليوم - المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024

GMT 08:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 08:32 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات
  مصر اليوم - ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات

GMT 07:41 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه
  مصر اليوم - ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه

GMT 08:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

أحمد الشرع تُؤكد أن سوريا لن تكون منصة قلق لأي دولة عربية

GMT 03:29 2020 السبت ,14 آذار/ مارس

بورصة تونس تغلق التعاملات على انخفاض

GMT 14:03 2020 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أول تعليق من محمد منير بعد وفاة مدير أعماله وزوج شقيقته

GMT 06:49 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

عزل ترامب

GMT 11:48 2019 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

هاشتاج أمينة خليل يشعل مواقع التواصل الاجتماعي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon