توقيت القاهرة المحلي 16:13:35 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«التبن أعز من التبر»

  مصر اليوم -

«التبن أعز من التبر»

بقلم - د. محمود خليل

سنتان مرتا على خروج الحملة الفرنسية من مصر، بدا المشهد خلالهما وبعدهما شديد الارتباك. فخلال ما لا يزيد على 4 سنوات تبدل الكثير من الولاة العثمانيين على حكم المحروسة.

مات مراد بك عام 1801 وتقلص دور إبراهيم بك، فى الوقت الذى صعدت فيه أدوار المملوك محمد الألفى والمملوك عثمان البرديسى.

كان «خسرو باشا» أول والٍ عثمانى على المحروسة بعد خروج الفرنسيين، ولم يمكث فى الحكم أكثر من عام، ثم لاذ بدمياط هرباً من المشكلات الاقتصادية التى وجد نفسه عاجزاً عن حلها، وتولى السلطة من بعده طاهر باشا، وكان ذلك عام 1803، الذى شهدت فيه مصر أوضاعاً اقتصادية شديدة البؤس، وظروفاً معيشية عظيمة الضنك، بات المصريون فريسة لكل المتصارعين على حكم البلاد من انكشارية وأرناؤوط، بالإضافة إلى المماليك المصرلية.

عام 1803 كان قاسياً على المصريين، تعقدت فيه الأوضاع وشحت الأقوات وقلت الأعمال. احتمل أهالى المحروسة الشعور بمرارة الحرمان، لكن ما لم يتمكنوا من تحمله حقاً هو رذالات الأرناؤوط التى بدأت بالأذى بالكلمات، ثم الضرب، ثم السلب والنهب. وكان المحرك الأول لهم هو طاهر باشا.

فقد ناور بجنوده على منافسيه لكى يضطر المشايخ والأعيان إلى المناداة به والياً على مصر، من منطلق أن الذى عقد العقدة هو القادر على حلها، وبذا يتمكن من هزيمة منافسيه. تحولت الحياة إلى جحيم بفعل ممارسات الأرناؤوط، الذين استحلوا سرقة كل شىء، بما فى ذلك «العمائم» التى اعتاد المصريون على ارتدائها فى ذلك الوقت. كان الأرناؤوط يتربصون بأى مارٍ فى الطريق فيخطفون عمامته، ثم «يشلحون ثيابه» بتعبير «الجبرتى»، ويترصّدون للذاهبين إلى الأسواق -مثل سوق إمبابة- لشراء الاحتياجات، فيهجمون عليهم ويسلبونهم الدراهم التى يحملونها لشراء طعام من يعولون. وبعد أن يفرغوا من ذلك يدخلون إلى السوق نفسه ليسلبوا الفلاحين بضاعتهم، فتوقف الفلاحون عن التحرّك ببضائع إلى الأسواق.

ونتيجة لذلك شحّت البضائع بالأسواق وارتفعت أسعار السلع وعمّ الغلاء بصورة غير مسبوقة، حتى بات «التبن أعز من التبر» كما يقول «الجبرتى»، وهى الجملة التى تحولت بعد ذلك إلى مثل ردّده المصريون عبر العصور. فقد كان الأرناؤوط يقيمون أسواقاً خاصة يبيعون فيها ما نهبوه من بضائع بأغلى الأسعار.

انتهى المشهد بتولية طاهر باشا قائد الأرناؤوط قائمقامية مصر، لكن ولايته لم تدم أكثر من 26 يوماً، انتهت بقتله على يد اثنين من الانكشارية، أما على باشا الجزايرلى الذى تولى الحكم بعد «طاهر» فقد استدرجه المملوك عثمان البرديسى وقتله، ليثب على ولاية مصر من بعده خورشيد باشا.

تولى الحكم بعد ذلك الوالى محمد على، وذهب هو الآخر، وذهب من بعده أولاده وأحفاده، واختفى عالمهم ليبدأ عالم آخر، لكن المثل الذى يقول «التبن أعز من التبر» -أى أعز من الذهب- عاش فى حياتنا، وانتقل من جيل إلى جيل حتى وصل إلينا، ليبقى شاهداً على رحلة المعاناة التى تتواصل فى حياة أصحاب الذات المهدرة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«التبن أعز من التبر» «التبن أعز من التبر»



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 13:16 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها بالسعودية
  مصر اليوم - شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها بالسعودية

GMT 00:26 2021 الأربعاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يضيف لسجله أرقاماً قياسية جديدة

GMT 10:18 2020 الجمعة ,26 حزيران / يونيو

شوربة الخضار بالشوفان

GMT 08:15 2020 الثلاثاء ,09 حزيران / يونيو

فياريال يستعين بصور المشجعين في الدوري الإسباني

GMT 09:19 2020 الجمعة ,24 إبريل / نيسان

العالمي محمد صلاح ينظم زينة رمضان في منزله

GMT 09:06 2020 الأربعاء ,22 إبريل / نيسان

تعرف علي مواعيد تشغيل المترو فى رمضان

GMT 12:50 2019 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

علالو يؤكّد الجزائر "تعيش الفترة الأهم في تاريخ الاستقلال"

GMT 04:46 2019 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

اتجاهات ديكور المنازل في 2020 منها استخدام قطع أثاث ذكي

GMT 00:42 2019 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

بدء تصوير فيلم "اهرب يا خلفان" بمشاركة سعودية إماراتية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon