بقلم - د. محمود خليل
استدعاء الفنان حسن عابدين والحديث عنه لا يمثل محاولة لتبيان وجه الإبداع لدى فنان قدير، أجاد فى كل ما قدم، بل يمثل استرجاعاً لعصرٍ كان الفنان يمثل وتراً مهماً من أوتاره، وعبّر بما قدمه من إنتاج متنوع (مسرحى- سينمائى- تليفزيونى - إذاعى - إعلانى) عن تقلبات هذا العصر والتحولات العنيفة التى أحدثها فى حياة المصريين خلال حقبتى السبعينات والثمانينات، وحالة الحيرة ما بين القناعات التى ترسخت داخل النفس المصرية خلال حقب سابقة، والمستجدات التى فرضت نفسها على الساحة خلال الحقبتين، وجعلت السطوة، كل السطوة، للمال، ليتلاشى أمامها العديد من القيم الكبرى التى آمنت بها شخصية تمتلك التكوين الفكرى والوجدانى الذى امتلكه حسن عابدين، والإحساس بالعجز أمام الموجات الجديدة فى الاقتصاد والاجتماع والدين والثقافة والفن التى تطاولت على الموجات الضعيفة الموروثة التى شاخ حراسها، أو واراهم التراب.
وُلد حسن عابدين عام 1931 بمحافظة بنى سويف، وأدركته الرغبة فى التمثيل منذ مرحلة مبكرة، لكن الظروف لم تمكّنه من إظهار الحجم الكبير لموهبته، وحصرته فى مجموعة من الأدوار الصغيرة. تجد نموذجاً على ذلك فى الدور الذى أداه فى مسلسل «الضحية»، وهو الجزء الأول من مجلد الساقية، لعبدالمنعم الصاوى، وأنتج عام 1964.
الميلاد الحقيقى لنجومية حسن عابدين جاء عبر دوره فى مسرحية «نرجس» التى أنتجت عام 1975. وقدم فى المسرحية شخصية الأب العابث الباحث عن المال بكافة الطرق، لكى يعب من متع الحياة. إنها شخصية الأب الجديد التى بدأت فى الظهور عقب الدخول فى عصر الانفتاح الاقتصادى، بدلاً من الأب الشقيان المنهك، الذى يكد ويسعى من أجل إسعاد أولاده.
أجواء مسرحية «نرجس» كانت تتوازى مع الأجواء التى بدأت تتفاعل فى مصر بين عالمين: أحدهما ثرى مسيطر، والآخر فقير بائس، يطمع فى النعيم بمتع الحياة التى يتمرغ فيها الأثرياء، متناسياً القيم التاريخية التى عاشت عليها الطبقات الشعبية، مثل: القناعة، والرضا بالقليل، والعيش بشرف، وغير ذلك من قيم، بدأت تفقد سعرها فى سوق الحياة.
منذ فترة مبكرة نبهت مسرحية «نرجس» إلى التحول القادم، وحقيقة أن المال سيهزم كل قيمة فى أية مبارزة محتملة، حتى ولو كانت هذه القيمة هى الحب، أو الفكر، أو الثقافة، أو غيرها، لأن بالمال كل شىء سوف يصبح قابلًا للشراء، بدءاً من الشرف والكرامة، ومروراً بالتعليم والصحة، وانتهاءً بالأرض والعرض.
نبهت المسرحية أيضاً إلى حالات الثراء الفاقع المقبلة، وهى حالات فاقعة لأنها لا تعبر عن مجرد ثروة موروثة، ورثها ابن عن أبيه، وتثقف هذا الابن وتعلم، بحيث استوت نظرته إلى الثروة فباتت موضوعية (والمال إن لم تدخره محصناً بالعلم كان نهاية الإملاق)، ولم ينظر إلى المال كأداة للمتاجرة فيما وفيمن حوله، بل عن ثروة «مسروقة»، تشتمل على تلال الأموال التى تم جمعها من الفساد، وتضخمت بها جيوب وخزائن، على حساب بؤس المجموع الغارق فى الفقر والتطلع.
«الإفيه» الرئيسى الذى أضحك به حسن عابدين المشاهدين لسنين داخل هذه المسرحية، هو: «قال رب توب عليّه»، وهو يسخر من زوجته التى كانت تغنى بهذه اللازمة.. كانت جملة «توب علينا بقى» هى الأكثر تكراراً على ألسنة الناس عند مواجهة أوجاع النصف الثانى من السبعينات.