توقيت القاهرة المحلي 20:55:35 آخر تحديث
  مصر اليوم -

آلام «حنة» وميلاد «الصدِّيقة»

  مصر اليوم -

آلام «حنة» وميلاد «الصدِّيقة»

بقلم - د. محمود خليل

الصديقة مريم ابنة عمران امرأة وُلدت فى حضن الألم وعاشت به وتقدست فى محرابه.. وكان الألم بالنسبة لها طريق الحرية.. حرية الإنسان.. وبعد رحيلها عن الحياة تحولت إلى أيقونة مواساة للمتألمين، تشرق بنورها عليهم فتمسح جراحاتهم، وتبث السلام فى نفوسهم، وتمنحهم خبز الأمل فى تحرير الروح، لتنخلع من عبودية الأرض وتحلق فى آفاق السماء.

ميلادها كان حلماً فى حوصلة طائر، أبصرته أمها «حنة بنت فاقوذ» ذات يوم يحلق فى السماء ثم يحط على شجرة، فيخرج له فرخه الصغير، ويفتح فمه طالباً الطعام، فتميل عليه أمه بحنان وتطعمه.

العمر يجرى ومع جريانه يتراجع الأمل فى أن يكون لها طفل تأنس إليه، ويملأ عليها حياتها.

نظرت إلى الطائر وهو يطعم صغيره، ثم تحول بصرها إلى السماء، ودعت ربها القدير العظيم الحنان المنان أن يحقق حلمها ويرزقها بطفل، ونذرت إن استجاب الله لدعائها أن تهبه خادماً لمعبده.

«رَبِّ إِنِّى نَذَرْتُ لَكَ مَا فِى بَطْنِى مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّى إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ».الحياة كما تأخذ تعطى، وكما تعطى تأخذ، وقد شاء الله تعالى أن يموت الزوج «عمران»، فى نفس اللحظات التى كانت «مريم» تتشكل جنيناً فى بطن أمها، وقال البعض إنه مات بعد ميلاد «مريم» بقليل.

مات «عمران» وشعرت «حنة» بألم عظيم فتَّت قلبها وشعور عميق بالوحدة، ولم تكن تجد الأنس إلا حين يتحرك الجنين الراقد داخل أحشائها، ليمنحها أملاً جديداً فى الحياة.

أخذت تحصى الأيام وتعد الليالى حتى حانت لحظة الوضع.

«فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّى وَضَعْتُهَا أُنثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنثَىٰ وَإِنِّى سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّى أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ».

تمنت «حنة» الولد وأراد الله أن يكون مولودها أنثى، لقد نذرت جنينها الذى لا تعرف كنهه لخدمة محراب الله ورعايته، وهو أمر ظنت الأم أنه لا يقوى عليه إلا ولد، فالذكر لا يعتريه ما يعترى الأنثى من فترات تعب، ولا يماثلها فى ضعف التكوين، لم يكن يحمل حديث «حنة» أى نوع من التوقف أمام قضاء الله وقدره، لكنه أمل داعبها، وتصور سكن عقلها غذته ثقافة زمانها ومكانها، وأدركت بمرور الوقت الدرس الذى أراد الخالق العظيم أن يعلمه للبشر، وهو أنه لا فارق بين ذكر وأنثى، وأن العبرة دائماً فى خدمة الحياة هو الإرادة والعزم، والأساس فى خدمة رسالة السماء هو الإيمان.

ليس للبنيان الذكورى أو الأنثوى معنى عند حضور العزم والإرادة.. فهما وحدهما المعياران الأكثر موضوعية للقوة التى يجللها الإيمان. وميلاد الصديقة مريم فى رحم الألم منحها قوة وعزم قل أن يؤتاه الرجال، وغلالة الرقة التى غلفت روحها جعلتها أشد إحساساً بألم الغير.. كما أن تفرغها للعبادة منذ أن أبصرت عيناها الحياة أهلتها لحمل كلمة الله والنور الذى خرج من أحشائها إلى العالم حاملاً بشارة السلام والمحبة.

«وَقَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِم بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

آلام «حنة» وميلاد «الصدِّيقة» آلام «حنة» وميلاد «الصدِّيقة»



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 20:31 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

التعادل السلبى يحسم مباراة تشيلسي وايفرتون

GMT 04:44 2018 الأربعاء ,19 أيلول / سبتمبر

رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان يصل إلى السعودية

GMT 11:41 2018 الثلاثاء ,17 تموز / يوليو

شيرين رضا تكشف سعادتها بنجاح "لدينا أقوال أخرى"

GMT 09:36 2018 الأحد ,01 تموز / يوليو

دراسة تنفي وجود "مهبل طبيعي" لدى النساء

GMT 10:26 2018 السبت ,07 إبريل / نيسان

" لفات الحجاب" الأمثل لصاحبات الوجه الطويل
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon