توقيت القاهرة المحلي 07:53:45 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«بوس الأيادي»

  مصر اليوم -

«بوس الأيادي»

بقلم - د. محمود خليل

«الإيد اللى ما تعرفش تعضها بوسها».. هذا المثل مملوكى بامتياز.. وهو يعبِّر عن تجلٍّ من تجليات «الذات المهدرة».

والقارئ لتفاصيل الحياة خلال الحقبة المملوكية من تاريخ مصر يلاحظ تأرجحهم بين الهدر (تقبيل الأيادى) والإهدار (العض). فهم بالأساس قوم مهدرون، تعلق مصيرهم بيد غيرهم، لكنهم لم يتأخروا فى الأغلب عن إهدار الغير، حين باتت أمورهم بأيديهم، وسقطت فيها مصائر الآخرين.

تعلم أن المماليك رقيق أبيض كان يتم جلبهم من أماكن مختلفة، فمنهم التركى والجركسى والهندى وغير ذلك، يشتريهم الحكام والأمراء المتصارعون على الحكم فى بلاد المسلمين ليستخدموهم كأداة حرب ضد خصومهم، فعل العباسيون فى العراق ذلك، وفعل الأيوبيون فى مصر والشام ذلك، فاستكثر حكامهم من شراء المماليك وتدريبهم قتالياً ليكونوا عدة حربهم ضد أعدائهم أو من ينافسونهم على الحكم.

لم يكن للمملوك أب يعرف به، أو عائلة ينتسب إليها، بل عادة ما كان يتم نسبته إلى أستاذه الذى اشتراه، أو النخاس الذى باعه.

بعضهم كان يحاول الإفلات من أسره فيعض ويضرب ويقاوم ويحاول، ولكن ما أقل ما نجح، وما أكثر ما عوقب على ذلك أشد العقاب.

ولحظة العقاب هى دائماً لحظة تعليم. ومنها تعلم المماليك الدرس «الإيد اللى ما تعرفش تعضها بوسها»، وكذلك كانوا يفعلون مع أساتذتهم ومن يملكون زمام أمرهم، فيقبلون أيديهم، ثم تمتد أيديهم بالضرب والتلطيش إلى وجوه الأهالى الضعاف، لأن عضهم سهل.

عاش المماليك مهدرين كأطفال مخطوفين، اقتنصهم التجار والنخاسون من بلادهم، وساروا بهم إلى أراض بعيدة، وباعوهم لمن يريد استغلالهم كأدوات حرب وصراع، وعاشوا مهدرين فى البلاد التى استقروا فيها تتناقلهم أيدى الأمراء وكأنهم مجموعة من العصىّ، حتى يعتقهم أمير، فإذا ما نالوا حريتهم نظر لهم أبسط مواطن كبشر مقطوعى النسب، فى حين يعلم هو أباه وجده وجد جده، يهابهم قطعاً لأنهم يمتلكون أدوات قهره، لكنه يحتقرهم من داخله، وفى العلن لا يتردد فى تقبيل أيديهم التى لا يستطيع عضها.

لم يخلد فى تاريخ الشيخ العز بن عبدالسلام مسألة كما خلدت فتواه ببيع أمراء المماليك الأتراك، حين واجه بيت المال أزمة فى تمويل الجيش الذى سيخرج لملاقاة التتار أيام السلطان «قطز»، فأفتى ببيع أمراء المماليك، لأنهم عبيد مملوكون للدولة، وثمنهم جزء من المال العام، وقد أجبروا بالفعل على دفعه.

أسعدت هذه الفتوى طوابير المهدرين أمام المهموز والدبوس والعصا المملوكية.

فأخيراً وجدوا من يستطيع عض كبار المماليك، وظلت هذه الفتوى تتناقل من جيل إلى جيل كدليل على سلطان الكلمة الذى امتلكه سلطان العلماء.

لا تستطيع أن تتوقع من ذات مهدرة على هذا النحو أن يكون لديها إحساس خاص بذاتها، أو تضمن ألا يهدروا ذوات غيرهم حين يجلسون على منصات القوة.

لقد ذهب عصر المماليك وبقى أحد الدروس التى تعلمها الناس منهم، درس «الإيد اللى ما تعرفش تعضها بوسها»، وملخصه هدر النفس وسكب كرامتها على الأعتاب حتى تعتلى مقعد القوة، فإذا اعتلته أهدرت من لا يزال لديه إحساس بذاته، أو بقية منه. 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«بوس الأيادي» «بوس الأيادي»



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 19:21 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

برشلونة يحتفل بذكرى تتويج ميسي بالكرة الذهبية عام 2010

GMT 11:32 2020 الجمعة ,25 كانون الأول / ديسمبر

دبي تهدي كريستيانو رونالدو رقم سيارة مميز

GMT 04:41 2020 الخميس ,24 كانون الأول / ديسمبر

وزارة الصحة الروسية تسمح بتغيير نظام اختبار لقاح "Sputnik V"

GMT 21:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

أول تعليق من نيمار بعد قرعة دوري أبطال أوروبا

GMT 06:29 2020 السبت ,17 تشرين الأول / أكتوبر

حمادة هلال يهنئ مصطفي قمر علي افتتاح مطعمه الجديد

GMT 07:23 2020 الجمعة ,16 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الجبس في مصر اليوم الجمعة 16 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 14:35 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

سموحة يعلن سلبية مسحة كورونا استعدادًا لمواجهة المقاصة

GMT 01:05 2020 الثلاثاء ,13 تشرين الأول / أكتوبر

الزمالك يقبل هدية الأهلي لتأمين الوصافة ويُطيح بحرس الحدود

GMT 15:44 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

سموحة يبحث عن مدافعين لتدعيم صفوفه في الميركاتو الصيفي

GMT 07:13 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الجبس في مصر اليوم الإثنين 12 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 06:34 2020 الأربعاء ,07 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل حفل عقد قران هنادى مهنا وأحمد خالد صالح

GMT 15:02 2020 الأربعاء ,30 أيلول / سبتمبر

خيتافي وفالنسيا يتقاسمان صدارة الدوري الإسباني
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon