توقيت القاهرة المحلي 20:18:05 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الإيمان الصامت

  مصر اليوم -

الإيمان الصامت

بقلم - د. محمود خليل

النفوس المهزوزة لا يسوقها الإيمان قدر ما يحركها الظن السيىء، فالإيمان يقين والظن السيىء جزء من طابع الأحياء القائم على الشك، لذلك كان من الطبيعي أن يواجه بنو إسرائيل الصديقة "مريم" بالاتهام، حين دخلت عليهم وهي تحمل طفلها، أمطروها بصحيفة طويلة عريضة من الشكوك: "قالوا يا مريم لقد جئت شيئاً فرياً يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا".

كانت "مريم" تقف على قدميها بنفس مؤمنة مطمئنة. لقد فهمت المعجزة التي حدثت، وأن وليدها الذي تحمله للناس آية من آيات القدرة الإلهية.

أخذت تستمع إلى الاتهامات الموجهة إليها صامتة، ثم أشارت إلى وليدها ليتحدثوا معه، عملاً بنصيحة ملاكها الحارس: "فإما ترين من البشر أحد فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسياً".

الصمت عن الكلام يمثل نوعاً أصيلاً من الصيام، فقد جعله الله آية لنبيه زكريا، وكان الصيام هنا جبرياً، إذ عقد الخالق لسان زكريا عن الكلام فتحول إلى الحديث مع الناس بالرمز: "قال رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا".

أما صمت الصديقة فبتوجيه من الخالق العظيم، وانطلاقاً من أن هناك من سينوب عنها في الكلام.

لم يكن الامتناع عن الكلام قرار "مريم" عليها السلام، بل وحياً من السماء، وحين ألح قومها على سؤالها حول الطفل الذي تحمله بدت الحكمة في التوجيه الإلهي فنطق الطفل الصغير الراقد في المهد صبياً معلناً نبوته وحمله لرسالة السماء وكلمة الله تعالى إلى أهل الأرض.

الصوم عن الكلام كان عتاباً لزكريا، حين وقف متحيراً أمام قدرة الخالق الذي وعده بغلام وهو في هذا العمر المتقدم، وكان وحياً إلى الصديقة مريم، لخلق سياق موات لتأكيد معجزة السماء في إنطاق الطفل الصغير الذين لم تتشكل عنده ملكة الكلام بعد.

لم يمارس النبي محمد صلى الله عليه وسلم هذا الشكل من أشكال الصوم المتمثل في الامتناع عن الكلام، إلا إذا اعتبرنا انقطاعه إلى العبادة في غار حراء قبل البعثة يشتمل على هذا النوع من الصيام، ضمن ما تشتمل عليه فكرة الانقطاع عن البشر وفضيلة التأمل من صمت عن الكلام.

وليس من بين طقوس الصيام في رمضان الامتناع عن الكلام، بل هناك نهي للصائم عن الصخب، والانفلات من السقوط في وهدته عند مواجهة الكلمات أو الأفعال السيئة بقول: "إني صائم"، وقد ورد ذلك في الحديث الشريف الذي يقول: "فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني صائم".

يذكر مصطفى عبد الرحمن صاحب كتاب "فنون رمضان" أن صيام الصمت من أغرب أنواع الصيام، ويتمثل في الصمت عن الكلام، وهو معروف لدى الشعوب البدائية والمتحضرة على السواء، ولا تزال الديانات البرهمية واليوجا يمارسون هذا النوع من الصيام في مناطق متعددة من الهند.

وفي استراليا يجب على المرأة التي يموت زوجها أن تظل صائمة عن الكلام لمدة طويلة قد تبلغ في بعض الأحايين عاماً كاملاً".

في أحيان يكون السكوت من ذهب ويكون الكلام من فضة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الإيمان الصامت الإيمان الصامت



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:36 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الأمير الحسين يشارك لحظات عفوية مع ابنته الأميرة إيمان

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 13:24 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

GMT 19:37 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مروة صبري توجّه رسالة لشيرين عبد الوهاب بعد ابتزاز ابنتها

GMT 09:03 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 12:19 2018 الإثنين ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مصر تحصد 31 ميدالية متنوعة مع ختام بطولتي الرماية

GMT 13:55 2018 السبت ,06 تشرين الأول / أكتوبر

الهلال يستضيف الزمالك في ليلة السوبر السعودي المصري

GMT 06:08 2024 الإثنين ,09 أيلول / سبتمبر

عطور نسائية تحتوي على العود

GMT 08:19 2022 الأحد ,25 كانون الأول / ديسمبر

أزمة الطاقة وسيناريوهات المستقبل

GMT 19:18 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

الطرق الصحيحة لتنظيف الأثاث الجلد

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon