توقيت القاهرة المحلي 22:20:17 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الإيمان الصامت

  مصر اليوم -

الإيمان الصامت

بقلم - د. محمود خليل

النفوس المهزوزة لا يسوقها الإيمان قدر ما يحركها الظن السيىء، فالإيمان يقين والظن السيىء جزء من طابع الأحياء القائم على الشك، لذلك كان من الطبيعي أن يواجه بنو إسرائيل الصديقة "مريم" بالاتهام، حين دخلت عليهم وهي تحمل طفلها، أمطروها بصحيفة طويلة عريضة من الشكوك: "قالوا يا مريم لقد جئت شيئاً فرياً يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا".

كانت "مريم" تقف على قدميها بنفس مؤمنة مطمئنة. لقد فهمت المعجزة التي حدثت، وأن وليدها الذي تحمله للناس آية من آيات القدرة الإلهية.

أخذت تستمع إلى الاتهامات الموجهة إليها صامتة، ثم أشارت إلى وليدها ليتحدثوا معه، عملاً بنصيحة ملاكها الحارس: "فإما ترين من البشر أحد فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسياً".

الصمت عن الكلام يمثل نوعاً أصيلاً من الصيام، فقد جعله الله آية لنبيه زكريا، وكان الصيام هنا جبرياً، إذ عقد الخالق لسان زكريا عن الكلام فتحول إلى الحديث مع الناس بالرمز: "قال رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا".

أما صمت الصديقة فبتوجيه من الخالق العظيم، وانطلاقاً من أن هناك من سينوب عنها في الكلام.

لم يكن الامتناع عن الكلام قرار "مريم" عليها السلام، بل وحياً من السماء، وحين ألح قومها على سؤالها حول الطفل الذي تحمله بدت الحكمة في التوجيه الإلهي فنطق الطفل الصغير الراقد في المهد صبياً معلناً نبوته وحمله لرسالة السماء وكلمة الله تعالى إلى أهل الأرض.

الصوم عن الكلام كان عتاباً لزكريا، حين وقف متحيراً أمام قدرة الخالق الذي وعده بغلام وهو في هذا العمر المتقدم، وكان وحياً إلى الصديقة مريم، لخلق سياق موات لتأكيد معجزة السماء في إنطاق الطفل الصغير الذين لم تتشكل عنده ملكة الكلام بعد.

لم يمارس النبي محمد صلى الله عليه وسلم هذا الشكل من أشكال الصوم المتمثل في الامتناع عن الكلام، إلا إذا اعتبرنا انقطاعه إلى العبادة في غار حراء قبل البعثة يشتمل على هذا النوع من الصيام، ضمن ما تشتمل عليه فكرة الانقطاع عن البشر وفضيلة التأمل من صمت عن الكلام.

وليس من بين طقوس الصيام في رمضان الامتناع عن الكلام، بل هناك نهي للصائم عن الصخب، والانفلات من السقوط في وهدته عند مواجهة الكلمات أو الأفعال السيئة بقول: "إني صائم"، وقد ورد ذلك في الحديث الشريف الذي يقول: "فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني صائم".

يذكر مصطفى عبد الرحمن صاحب كتاب "فنون رمضان" أن صيام الصمت من أغرب أنواع الصيام، ويتمثل في الصمت عن الكلام، وهو معروف لدى الشعوب البدائية والمتحضرة على السواء، ولا تزال الديانات البرهمية واليوجا يمارسون هذا النوع من الصيام في مناطق متعددة من الهند.

وفي استراليا يجب على المرأة التي يموت زوجها أن تظل صائمة عن الكلام لمدة طويلة قد تبلغ في بعض الأحايين عاماً كاملاً".

في أحيان يكون السكوت من ذهب ويكون الكلام من فضة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الإيمان الصامت الإيمان الصامت



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 08:05 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 18 نوفمبر /تشرين الثاني 2024

GMT 10:55 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

دوناروما يؤكد ان غياب مبابي مؤثر وفرنسا تملك بدائل قوية

GMT 09:55 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 08:31 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن وجود علاقة بين النوم المبكر وصحة أمعاء طفلك

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 07:27 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

هند صبري بإطلالة أنثوية وعصرية في فستان وردي أنيق

GMT 04:33 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونسكو تعزز مستوى حماية 34 موقعًا تراثيًا في لبنان

GMT 13:08 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نيمار يشتري بنتهاوس بـ 200 مليون درهم في دبي

GMT 07:25 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزالان بقوة 4.7 و4.9 درجة يضربان تركيا اليوم

GMT 03:12 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

ليليا الأطرش تنفي تعليقاتها عن لقاء المنتخب السوري

GMT 18:33 2017 الأربعاء ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

ميا خليفة تحضر إلى لبنان في زيارة خاصة

GMT 14:47 2019 السبت ,09 شباط / فبراير

الحضري على رأس قائمة النجوم لمواجهة الزمالك

GMT 11:13 2018 الأربعاء ,11 إبريل / نيسان

ما وراء كواليس عرض "دولتشي آند غابانا" في نيويورك
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon