توقيت القاهرة المحلي 16:43:37 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الناعم والخشن

  مصر اليوم -

الناعم والخشن

بقلم - د. محمود خليل

كان معاوية بن أبى سفيان ضرساً سياسياً قوياً، يتمتع بما يتمتع به السياسى من دهاء وحيلة، ويعلم جيداً أن الناس تتحرك بعاملى السياسة والمال أكثر مما يتحركون بقيم الدين، وقد علم أن على بن أبى طالب وأولاده وأنصار رسول الله والعديد من صحابته، يتحركون فى محاولة يائسة لاستعادة قيم النبوة ودولة الخلافة الراشدة فى عصر الشيخين أبى بكر وعمر، لأن ماءً كثيراً جرى فى نهر حياة المسلمين على مدار ما يقرب من عقدين من الزمان، نشأت فيهما أجيال من المسلمين بقيم جديدة تناسب التحول الذى يريد «معاوية» وطبقة الحكم من بنى أمية إحداثه فى مسار الحكم.

ولعل «معاوية» أول حاكم فى تاريخ المسلمين يوظف الدين لخدمة أهداف السياسة، بل قل إن هذا التوظيف هو اختراع أموى بحت.

فالمطالبة بدم عثمان، الذى قتل مظلوماً، والزفات التى سارت بقميص عثمان الملطخ بالدماء والمظاهرات المطالبة بالثأر له التى شهدتها شوارع الشام فى عهده هى خير دليل على توظيف الدين فى خدمة أهداف السياسة، والمطالبة بتحكيم كتاب الله فى النزاع بينه وبين على بن أبى طالب دليل آخر على التوظيف المغرض للدين، إذ لم يكن «معاوية» أكثر من والٍ تمرد على علىّ الخليفة، وبالتالى لم تكن الرؤوس متساوية.

وبعد اغتيال على بن أبى طالب وتنازل الحسن له عن الخلافة استقر «معاوية» على كرسى الحكم، وبدأ الخطوة التالية لتوطيد أركان ملكه، وأول ما سلكه فى هذا الاتجاه هو نسيان عثمان ودم عثمان الذى كان يطالب بالثأر له بالأمس.

يحكى صاحب «البداية والنهاية» واقعة لافتة للغاية فى هذا السياق يذكر فيها «أن معاوية قدم المدينة أول حجة حجها، بعد اجتماع الناس عليه، فتوجه إلى دار عثمان بن عفان، فلما دنا إلى باب الدار صاحت عائشة بنت عثمان وندبت أباها، فقال معاوية لمن معه: انصرفوا إلى منازلكم فإن لى حاجة فى هذه الدار، فانصرفوا، ودخل، فسكّن عائشة بنت عثمان وأمرها بالكف، وقال لها يا بنت أخى: إن الناس أعطونا سلطاننا، فأظهرنا لهم حلماً تحته غضب، وأظهروا لنا طاعة تحتها حقد فبعناهم هذا بهذا، وباعونا هذا بهذا، فإن أعطيناهم غير ما اشتروا منا، سعوا علينا بحقنا وغمطناهم بحقهم، ومع كل إنسان منهم شيعته، فإن نكثناهم نكثوا بنا، ثم لا ندرى أتكون لنا الدائرة أم علينا؟

وأن تكونى ابنة عثمان أمير المؤمنين أحب إلى أن تكونى أمة من إماء المسلمين، ونعم الخلف أنا لك بعد أبيك».

هكذا قال «معاوية» بعد أن دان له الأمر لابنة عثمان المطالبة بثأره!.

والملك كما تعلم لا يستقيم إلا بأداتين: «السيف والذهب»، أو بالتعبير الحديث القوة الناعمة والقوة الخشنة، وقد كان «معاوية» على وعى كامل بهذه الحقيقة، وكفاءة لافتة فى توظيف الأداتين فى تحقيق أهدافه، فتمكن من توطيد دعائم ملكه عبر دفع المال لمن يسكته المال، وإعمال السيف فيمن لا تردعه إلا القوة.

لجأ «معاوية» أيضاً إلى الحرب كوسيلة لصرف المجموع عن الانشغال بأدائه السياسى، فركب البر والبحر فى حروب وسع بها ملكه، ووظفها فى تحقيق شعبية كبيرة له بين معاصريه، وكانت هذه الحروب أيضاً حجة اعتمد عليها من خلفوه فى الدفاع عن شخصه والتجاوز عن التحول الخطير الذى أحدثه فى تاريخ الأمة، حين جعل حكم المسلمين ملكاً عضوضاً يتوارثه الأبناء عن الآباء، وضرب مبدأ الشورى فى مقتل، واتخذ من العائلة أساساً لتشكيل طبقة الحكم، وترخص فى دماء أشرف الناس من أجل تحقيق ما يريد.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الناعم والخشن الناعم والخشن



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 07:41 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه
  مصر اليوم - ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه

GMT 09:43 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

GMT 05:12 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

تصريح عاجل من بلينكن بشأن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة

GMT 09:08 2018 السبت ,24 آذار/ مارس

لعبة Sea of Thieves تتوافر مجانا مع جهاز Xbox One X

GMT 08:25 2024 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

طائرة "مناحم بيغن" تتحول لفندق ومطعم

GMT 21:48 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

بالميراس يقترب من التعاقد مع دييجو كوستا

GMT 18:37 2020 الثلاثاء ,29 كانون الأول / ديسمبر

شركات المحمول تتجه لرفع أسعار الخدمات خلال 3 شهور

GMT 08:43 2020 الأحد ,20 كانون الأول / ديسمبر

منظمة الصحة في ورطة بسبب "التقرير المفقود" بشأن "كورونا"

GMT 07:47 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

تطورات جديدة في واقعة الاغتصاب الجماعي لفتاة داخل فندق

GMT 00:41 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

عمر ربيع ياسين يكشف آخر كواليس معسكر منتخب مصر
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon