توقيت القاهرة المحلي 07:53:45 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ثلاثية "اليتم والحيرة والحاجة"

  مصر اليوم -

ثلاثية اليتم والحيرة والحاجة

بقلم - د. محمود خليل

واجه النبي صلى الله عليه وسلم عالم اليُتم منذ أن صافحت عيناه الحياة "ألم يجدك يتيماً فآوى"، فنشأ فاقداً للأب، لكن الله عوضه بحنان جده عبد المطلب، أما الأم آمنة فقد أودعته لدى مرضعة من بني سعد، مدفوعة في ذلك بعدة أسباب، أولها الجري على عادة قومها في أن تعهد الأم بطفلها إلى مرضعة، وثانيها العهدة بالنبي إلى من يربيه على فصاحة التعبير ودقته وحلاوته "أوتيت جوامع الكلم وربيت في بني سعد"، وثالثها البعد بصغيرها عن أوبئة مكة، وقد كان المكان حينها عرضة للأوبئة.

السنوات الأولى من عمر النبي كانت بعيدة عن حضن أمه، ولم يكن يتدفأ به إلا أيام الزيارة، وهي أيام معدودة، وحتى هذا الشعور الذي يدركه الطفل بحنان أمه بشكل خفي افتقده محمد صلى الله عليه وسلم، حين ماتت أمه وهو ابن ست سنوات.

وإذا كان النبي قد وجد بديلاً لحنان أبيه لدى جده عبد المطلب ثم عمه أبو طالب، فقد عاش بحنين جارف إلى الأم، والإحساس بحنوها وعطفها، كان له أثر واضح في حنوه على المرأة (الزوجة والابنة) وعلى أمه الراحلة التي طالما بكى أمام قبرها، بل وعلى المرضعة التي أرضعته، فكان يفرش لحليمة السعدية ردائه لتجلس عليه حين يستقبلها، ويسأل الناس: من المرأة؟ فيقال لهم إنها أم النبي بالرضاعة، واستحال الأمر في النهاية إلى الحنو والعطف على المرأة ككل، وجعل الرفق والرحمة بها ضمن وصاياه الأخيرة قبل أن يلقى وجه ربه.

العطف الكبير الذي نعم به النبي في طفولته كان مصدره الجد عبد المطلب، والأعمام الذين كانوا يظلون الصغير بمحبتهم.

والملفت أن هذه التجربة الطفولية ولّدت لدى النبي عطفاً على كبار السن بانت بعد ذلك في جانب من تعاليم النبوة، وكان لليتامى حظ أيضاً من تعاليمه صلى الله عليه وسلم، وللصغار الضعاف عموماً.

يقول المفسرون أن معنى كلمة "ضالا" في قوله تعالى "ووجدك ضالاً" غفلة النبي صلى الله عليه وسلم عما يراد به من أمر النبوة، لكنك لو تأملت الآيات الكريمات من سورة الضحى: "ألم يجدك يتيماً فآوى ووجدك ضالاً فهدى ووجدك عائلاً فأغنى" فستجد أنها تعبر عن مراحل ثلاث مر بها النبي، أولها مرحلة اليتم الذي عاناه جنيناً ثم وليداً بوفاة أبيه ثم أمه، والمرحلة الثانية هي مرحلة الحيرة – فمعنى الضلال هنا أقرب إلى الحيرة - وقد ارتبطت بمرحلتي الطفولة والصبا اللتين عاشهما النبي في كنف جده ثم عمه، واحتار فيها الطفل وهو يجد نفسه بلا ظهير من أب أو أم يتعيش على توجيههما وحنانهما، فعوضه الله بالجد ثم العم، والمرحلة الثالثة واضحة وهي مرحلة الشباب والحاجة إلى العمل والمال لبناء البيوت ورعاية الأسرة، وقد أغناه الله فيها عن غيره.

مثلت ثلاثية اليتم وحيرة الطفولة والصبا وحاجة الشاب إلى أسباب الحياة عوامل ثلاث ساهمت في تشكيل شخصية النبي صلى الله عليه وسلم بإرادة الخالق العظيم، فنسجت خريطة نفسه الشريفة لتصيب نصيباً كبيراً من الرحمة والعطف، والسعي إلى الهداية واحتواء البشر جميعاً، والشعور المرهف بالآخرين، والرغبة الأكيدة في إسعادهم في الدنيا والآخرة: "فأما اليتيم فلا تقهر وأما السائل فلا تنهر وأما بنعمة ربك فحدث".

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ثلاثية اليتم والحيرة والحاجة ثلاثية اليتم والحيرة والحاجة



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 19:21 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

برشلونة يحتفل بذكرى تتويج ميسي بالكرة الذهبية عام 2010

GMT 11:32 2020 الجمعة ,25 كانون الأول / ديسمبر

دبي تهدي كريستيانو رونالدو رقم سيارة مميز

GMT 04:41 2020 الخميس ,24 كانون الأول / ديسمبر

وزارة الصحة الروسية تسمح بتغيير نظام اختبار لقاح "Sputnik V"

GMT 21:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

أول تعليق من نيمار بعد قرعة دوري أبطال أوروبا

GMT 06:29 2020 السبت ,17 تشرين الأول / أكتوبر

حمادة هلال يهنئ مصطفي قمر علي افتتاح مطعمه الجديد

GMT 07:23 2020 الجمعة ,16 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الجبس في مصر اليوم الجمعة 16 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 14:35 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

سموحة يعلن سلبية مسحة كورونا استعدادًا لمواجهة المقاصة

GMT 01:05 2020 الثلاثاء ,13 تشرين الأول / أكتوبر

الزمالك يقبل هدية الأهلي لتأمين الوصافة ويُطيح بحرس الحدود

GMT 15:44 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

سموحة يبحث عن مدافعين لتدعيم صفوفه في الميركاتو الصيفي

GMT 07:13 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الجبس في مصر اليوم الإثنين 12 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 06:34 2020 الأربعاء ,07 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل حفل عقد قران هنادى مهنا وأحمد خالد صالح

GMT 15:02 2020 الأربعاء ,30 أيلول / سبتمبر

خيتافي وفالنسيا يتقاسمان صدارة الدوري الإسباني
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon