توقيت القاهرة المحلي 07:41:28 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عالم «الأنصاص»

  مصر اليوم -

عالم «الأنصاص»

بقلم - د. محمود خليل

إذا كنت موهوباً أو كفئاً في شىء فعليك ألا تبين ذلك أمام رؤسائك الأعلى منك، وإلا وضعت بيدك كلمة النهاية في مسيرتك المهنية معهم، وقطعت عيشك بيدك.يتفق الكثيرون من أبناء زماننا على هذه القاعدة، ويرون أن فرص "أنصاف الموهوبين والمتعلمين" أكبر بكثير من أصحاب المواهب الحقيقية والعلم والتعليم الحقيقي.

فالأخيرون يخيفون الأعلى منهم، لأن وجودهم يكشف المستوى الحقيقي لمن فوقهم (كأنصاف)، وبالتالي يكون من الأفضل التخلص منهم وإبعادهم عن المشهد. وللمصريين مثل شهير يقول: "الأنصاص قامت والقوالب نامت".

ليست هذه الآفة ابنة الزمان الذي نعيش في ظلاله، بل تجدها منغرسة في جوهر الثقافة المصرية، ربما تكون منتشرة بدرجة أكبر في عصرنا الحاضر، لكنها كنات موجودة في العديد من العصور الأخرى بنسب ومقادير متفاوتة.

ولو أنك تصفحت مذكرات الراحل النبيل "الفنان نجيب الريحاني"، فستجد بين سطورها قصة طريفة تقدم لك نموذجا للكيفية التي يمكن أن تؤدي فيها الموهبة المتفجرة إلى ضياع صاحبها.

الواقعة حدثت عام 1908، عندما بدأ الشاب "نجيب الريحاني" رحلته في طرق أبواب المسرح، حين انضم إلى فرقة "أمين عطا الله" التي أسسها شقيقه "سليم عطا الله"، بمرتب شهري 4 جنيه، وشارك في بطولة مسرحية "شارلمان الأكبر".

وفي مشهد جمع بينه وبين سليم عطا الله في ختام المسرحية أجاد "الريحاني" كل الإجادة، وأدى كموهوب كبير، وتمكن من انتزاع إعجاب المشاهدين، فصفقوا له كثيراً، وأخذوا يتحدثون عن الممثل الجديد الذي تفوق على بطل المسرحية "سليم عطا الله".

حينذاك كان "الريحاني" في بداياته الفنية، لم تعركه الحياة بعد، فطار من الفرح إزاء هذا الإطراء والمديح والإعجاب.

في اليوم التالي طلبه سليم عطا الله، فقال "الريحاني" في نفسه": لابد وأن الرجل سيكافأني وسيرفع أجري، تعبيراً عن إعجابه بأدائي، ودوري في دعم شعبية الفرقة.

دخل الفنان الموهوب إلى مدير الفرقة منتفخاً بالأمل، فإذا به يسمع إحدى الجمل الموجعة المأثورة في ذلك الزمان: أنا متأسف جدا يا نجيب أفندي لأن الفرقة استغنت عنك!لقد غار الكبير من الموهبة الصغيرة المتفتحة، فاستبعده، ظنا منه أنه بذلك يبعد عن طريقه منافساً قد يأخذ موقعه، ولم يفهم أن الموهبة ستفرض نفسها في كل الأحوال، وحتى إذا دهمها الإحباط وانسحبت، فإن ذلك لا يعبر عن نجاح لمن وضع العراقيل في طريقها، لأن من لا يحترم الموهبة ولا يقدرها محكوم عليه بالفشل في النهاية.المسألة إذن قديمة.. فمنذ زمن طويل "وأنصاف المواهب" و"محدودو القدرات" يحتلون مواقع الصدارة، ويزيحون من طريقهم أصحاب المواهب الحقيقية والقدرات المتميزة، ولست بحاجة إلى تذكيرك بأثر ذلك على الأداء العام، وكم الرداءة الذي ينسج ملامحه في العديد من المجالات.لقد نجا "نجيب الريحاني" بإيمانه بموهبته ونفسه الصلبة المقاتلة، لكن مؤكد أن آخرين من الموهوبين في عصره، وفي عصور أخرى، دهستهم عجلة الإحباط واليأس، فاطبقوا جوانجهم على موهبتهم، وتاهوا في ظلمات "عالم الأنصاص" وعداوة "أبناء الكار الواحد".

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عالم «الأنصاص» عالم «الأنصاص»



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024
  مصر اليوم - المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024

GMT 08:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 08:32 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات
  مصر اليوم - ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات

GMT 07:41 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه
  مصر اليوم - ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه

GMT 08:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

أحمد الشرع تُؤكد أن سوريا لن تكون منصة قلق لأي دولة عربية

GMT 03:29 2020 السبت ,14 آذار/ مارس

بورصة تونس تغلق التعاملات على انخفاض

GMT 14:03 2020 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أول تعليق من محمد منير بعد وفاة مدير أعماله وزوج شقيقته

GMT 06:49 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

عزل ترامب

GMT 11:48 2019 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

هاشتاج أمينة خليل يشعل مواقع التواصل الاجتماعي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon