توقيت القاهرة المحلي 07:27:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«الشعب العميق»

  مصر اليوم -

«الشعب العميق»

بقلم - د. محمود خليل

كيف تحوّل قطاع من المصريين من ناس «بتاكل مع بعض» إلى ناس «بتاكل فى بعض»؟ رحلة التحول كانت طويلة بعض الشىء. فلم يكن من السهل على مجتمع عاطفى مثل مجتمعنا، اعتاد على الاندماج ما بين أفراده، وأحب «اللمة» وكره «الفرقة والبعاد»، وكانت مسألة الفراق وتقطّع الأوصال أكثر وجع يظهر فى أغانيه، أن يتحول قسمٌ من أفراده إلى النقيض، إلا عبر مدى زمنى واسع.

ولكى نجيب عن سؤال ماذا حدث للمصريين على هذا المستوى؟ علينا أن نسترجع بعض المشاهد من مصر «سبعينات القرن الماضى»، ونطلق العنان لخيالنا ليتجول داخل أحياء مصر القديمة، التى تضم ما يمكن أن نطلق عليه «الشعب المصرى العميق»، إذا صح التعبير. تشكّلت خريطة المكان داخل هذه الأحياء من مجموعة من الحوارى الممتدة التى تشرف على شوارع ضيقة، يعيش أغلب ساكنيها داخل غرف مرصوصة إلى جوار بعضها البعض، أحياناً ما تعلو إحداها لدورين (يشتملان على غرفتين) تستقل كل واحدة منهما بدورة مياه، أو توجد لهما دورة مياه مشتركة.. البنايات التى توصف بـ«العماير» كان يسكنها الأكثر حظاً داخل هذه الأحياء، وتضم شققاً سكنية تتراوح مساحتها ما بين 40 -60 متراً.

أغلب المناطق الفقيرة بالقاهرة كانت ترقد فى حضن (مصر القديمة)، مثل أحياء الناصرية والبغالة وبركة الفيل، والحلمية والخليفة والقلعة والغورية والجمالية والحسين والمغربلين وبولاق وأبوالسعود وغيرها. أكثر ما تميزت به هذه المناطق أن آثار مصر المملوكية والفاطمية كانت تحيط بها من كل اتجاه وتتدفق عبر شرايينها الجغرافية أيضاً.

تعلم أن المكان يتدخل فى تشكيل شخصية الإنسان الذى يعيش فيه، فيبصمه ببصمته، ويختمه بخاتمه، فيأخذ الإنسان من سمات المكان، بقدر ما يتشكل المكان من خصائص الشخصية للأفراد الذين يعيشون فيه.

أماكن العيش فى ذلك الحين كانت عشوائية على مستوى الشكل، نظامية على مستوى المحتوى. رغم ما تجمعه من شتات بشرى، إلا أن الجميع يشكلون فيما بينهم كتلة تتلاحم بعضها مع بعض، بما يعكس واحدة من القيم الثابتة التى ميزت الشخصية المصرية عبر تاريخها، والمتمثلة فى التلاصق فى المكان والمشاعر، فالناس، مثل المكان، يعيشون ملتصقين بعضهم ببعض، كما يضبطون مشاعرهم على مشاعر أى فرد فيهم، حزناً وألماً، أو بهجة وفرحاً.

ما أكثر المشاهد التى كنت تراها حينذاك لعدد من الأسر التى تعيش فى دور واحد داخل إحدى البنايات، أو تتجاور الغرف التى يقطنون فيها، يتشاركون فيما لديهم من طعام، فالأطباق إما تنزل من كل شقة أو غرفة، أو يتم تناقلها فيما بينهم. شراء الحاجات اللازمة للأكل والشرب من الأسواق كان يمكن أن تقوم بها ربة منزل لعدد من جيرانها، دون أن تجد فى ذلك غضاضة. مَن استهلك تموينه من السلع الأساسية بإمكانه أن يستلف من جاره حتى أول الشهر. مَن عنده ثلاجة يفيض بالمكعبات المثلجة على الأسر الأخرى التى لم تزل تعتمد على القلة. مَن لديه تليفزيون يفتح باب شقته، والبسطة التى تقبع أمام الشقة، لمن يريد المشاهدة من أفراد الأسر الأخرى التى لا تملك التليفزيون. مَن يمتلك راديو ويعلم أن جيرانه ليس لديهم ويحبون الاستماع إلى نشرة الأخبار، أو أغانى الست أم كلثوم، كان يخرج بجهازه إلى شرفة المنزل، ويرفع صوت المذياع عن آخره ويتشارك الجميع فى السماع. حب بنت الجيران والزواج منها كان يمثل القاسم المشترك الأعظم بين سكان هذه الأحياء، هناك جيران كثر فى هذه الأحياء تحولوا إلى عائلات عن طريق المصاهرة.أمر طبيعى أن يؤدى التجاور والحرص على القرب إلى الذوبان، فيتشارك الكبار فى كل شىء، ويذوب الأطفال فى علاقات عميقة، بحيث يشعر أحدهم أن له أكثر من أم أو أب من الجيران، ثم ينخرط شبابهم وبناتهم فى علاقات حب، تنتهى بزواج ميمون، يضيف المزيد من الأسر إلى خريطة البشر الذين يعيشون فوق صفحة المكان.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«الشعب العميق» «الشعب العميق»



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:43 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته
  مصر اليوم - عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته

GMT 15:30 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025
  مصر اليوم - ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025

GMT 09:44 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

جورج وأمل كلوني يحتفلان بذكرى زواجهما في أجواء رومانسية

GMT 12:02 2024 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

نصائح وأفكار لإطلالات أنيقة ومتناسقة

GMT 20:58 2016 الجمعة ,28 تشرين الأول / أكتوبر

لجان البرلمان المصري تستعد لمناقشة أزمة سورية

GMT 23:21 2018 الأربعاء ,21 آذار/ مارس

تعرفي على خطوات للحفاظ على "لون الصبغة"

GMT 23:40 2018 الأحد ,04 آذار/ مارس

تعرف على سعر ومواصفات سكودا كودياك 2018

GMT 19:31 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الشرطة تكشف تفاصيل تجريد أستاذ جامعي من ملابسه

GMT 18:47 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

شركة فيات كرايسلر تكشف عن تراجع ديونها بمقدار النصف

GMT 04:47 2018 السبت ,06 كانون الثاني / يناير

تعرف على أسعار السمك في الأسواق المصرية السبت

GMT 14:38 2016 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

جاكيتات "جلد النمر" الرائعة موضة العام المقبل

GMT 10:24 2015 الإثنين ,16 آذار/ مارس

"كلام من القلب" يقدم طرق علاج كسور الفخذ

GMT 04:18 2017 السبت ,14 تشرين الأول / أكتوبر

منال جعفر بإطلالة "رجالي" في آخر ظهور لها
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon