بقلم - د. محمود خليل
تقدست السيدة مريم العذراء بالتبتّل والطهر فصارت قديسة تحمل العطف والحنان لبنى الإنسان.
يجتمع المصريون على محبتها، فى تعبير فريد عن حنينهم الجارف إلى «أنشودة حنان» وحاجتهم الُملحة إلى «شلال عطف»، يمسح فوق جراحاتهم، ويربت فوق رءوسهم، فى تأويل مدهش للآية الكريمة التى تربط المسلمين والمسيحيين برباط القربى: «وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى».
حدد القرآن الكريم المكانة الخاصة التى تحظى بها الصدّيقة مريم فى الآية الكريمة التى تقول: «وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ»، يحبها المسيحى، كما يحبها المسلم، فعندها يتحقق المعنى الخالد الذى تحمله عبارة: «الله محبة».
أحب المصريون «مريم» عليها السلام، حتى باتت سلوى أحزانهم، وجابرة خواطرهم، يفد إلى مولدها كافتهم من مسلمين ومسيحيين، احتفاءً بالسيدة التى اصطفاها الله تعالى على نساء العالمين.
فى كل محنة أو انكسار تجد السيدة مريم حاضرة ترفرف روحها حولهم لتلهمهم السكينة والسلام.
عندما وقعت واقعة النكسة فى يونيو 1967 وخرج جمال عبدالناصر يشرح للمصريين وقائع ما حدث فى الحرب ويصدم أرواحهم بإعلان صريح للهزيمة، ارتجت الأرض أسفل أقدامهم، وداخ أغلبهم من وقع ما سمعوا، كان من الطبيعى لحظتها أن تقفز روح العذراء مريم إلى أرواحهم، إنها وحدها القادرة على تطبيب الجراح.
أوائل أبريل من عام 1968 -أى بعد مرور حوالى 10 أشهر على حدث النكسة- بدأ المصريون يتناقلون خبراً بظهور السيدة العذراء مريم ابنة عمران فوق قبة كنيسة الزيتون، وبدأ الناس يتقاطرون على الكنيسة لمتابعة المشهد المثير، ويقال إن جمال عبدالناصر نفسه ذهب إلى هناك ومكث ينتظر، حتى ظهرت العذراء وهى تتجول فوق قباب الكنيسة وبين شرفاتها تبارك الجمع الذى التأم ليحظى بالنظر إليها.
اللافت أن الكنيسة التى كان يجلس فوق كرسى كرازتها فى ذلك الوقت البابا كيرلس السادس أصدرت بياناً تؤكد فيه واقعة ظهور العذراء ومشاهدة الآلاف لها، سواء من المصريين أو من الأجانب، ومن شتى الأديان والمذاهب، وأن الكل أجمع على ثبوت رؤيتها.
فى غمرة الأنوار التى كانت تتدفق من وجه أم النور فوق قباب كنيسة الزيتون، نسى المصريون أحزانهم التى تولّدت عن النكسة عام 1967.
البعض وصف ما تفاعل فى الشارع المصرى وقتها بأنه خلطٌ ما بين الدين والسياسة، والبعض الآخر قال إن الخبطة التى ضربت رأس المصريين حينها أفقدتهم توازنهم، وجعلتهم يتخيلون أشياء غير واقعية، والبعض الثالث قال إن الحكومة كانت تقف بطريقة أو بأخرى وراء الموضوع رغبة منها فى تتويه الناس.
نحن لا نستطيع أن نجزم بشىء، والله تعالى أعلم بحقيقة الأمور، لكن المؤكد أن هذه الواقعة تثبت أن الصدّيقة مريم كانت، وسوف تظل، ملاذاً للمصريين تستدعى أرواحهم روحها الطاهرة المطهرة ليلقوا أحزانهم وأوجاعهم على عتبتها لتفتح لهم باب الولوج إلى عالم السكينة والمحبة.