بقلم - د. محمود خليل
حفصة بنت عمر بن الخطاب هى الزوجة الرابعة للنبى صلى الله عليه وسلم، وهى أرملة خنيس بن حذافة السهمى، وقد توفى متأثراً بجراح أصيب بها فى غزوة أحد.وقد تزوجها النبى إكراماً لعمر، كما أكرم صاحبه الأول أبا بكر الصديق بالزواج من ابنته عائشة، والهدف فى الحالتين هو توطيد أواصر «الصحبة الإيمانية» كما حكيت لك.
أكرم النبى عمر فى ابنته، خصوصاً بعدما شعر أن صاحبه حزين لوضع ابنته التى ترملت فى مطلع شبابها، واجتهد فى مواجهة هذا الموقف بكل الطرق، فعرض على أبى بكر أن يتزوجها، ثم على عثمان، وكلاهما سكت ولم يرد، فحزن عمر فى نفسه وشكا للنبى، فبادر صلى الله عليه وسلم وتزوجها.
تزوج النبى أرملة شهيد آخر من شهداء أحد، وهى السيدة زينب بنت خزيمة أرملة عبيدة بن الحارث بن عبدالمطلب الذى استشهد فى هذه الموقعة، ولم تمكث فى معية النبى سوى بضعة أشهر، إذ سرعان ما توفاها الله.
وكانت تلقب بأم المساكين، إذ تعودت أن تطعم كل مسكين أخنى عليه الزمن، وذلك فى الجاهلية وبعد أن أسلمت.
أم المؤمنين زينب بنت خزيمة كانت نفساً حنوناً تفيض بجودها وعطفها على الضعفاء من حولها، ولفرط حنانها وعطائها أكرمها الله بكرمه وشرفها بالزواج من النبى صلى الله عليه وسلم زيجة لم تتواصل إلا لعدة أسابيع، لقيت بعدها وجه ربها: «هل جزاء الإحسان إلا الإحسان».
تزوج الرسول بعد ذلك أرملة أخرى وأماً لأيتام ثلاثة هى هند بنت أبى أمية (أم سلمة) وتوفى عنها زوجها أبوسلمة عبدالله بن عبدالأسد، وكانت امرأة مسنَّة، وأماً لأولاد رعاهم النبى الذى عرف معنى اليتم وقسوته، فضمهم إلى كنفه الشريف واعتبرهم مسئولين منه.
لم ينسَ النبى أيضاً لزوج أم سلمة أنه أحد شهداء أحد، فقد أصيب عبدالله بن عبدالأسد وهو يدافع عن النبى حين تحلق من حوله المشركون فى محاولة بائسة لقتله، وحُمل بعدها إلى المدينة، ليمكث عدة أشهر يعالج من جراحه، لكن إرادة الله شاءت أن يموت متأثراً بها، لينضم إلى الركب الكريم من شهداء أحد، الذين أكرمهم النبى فى زوجاتهم وأولادهم، وآل النبى على نفسه أن يتحمل مسئولية رعايتهم. والأرجح أن أم سلمة آخِر من توفيت من زوجات النبى صلى الله عليه وسلم، وذلك فى عام 61 هجرية، وهو نفس العام الذى توفى فيه الحسين بن على سبط النبى، وقيل إنها ماتت حزناً عليه.
لعلك تلاحظ أن أربعاً من زوجات النبى صلى الله عليه وسلم كن أرامل توفى عنهن أزواجهن وهم يدافعون عن الإسلام، بدءاً من سودة بنت زمعة التى مات عنها زوجها فى رحلة عودته من هجرة الحبشة الثانية، ثم الزوجات الثلاث اللائى ترمَّلن بعد استشهاد أزواجهن فى موقعة أحد.
فقد كان النبى صلى الله عليه وسلم يشعر بمسئولية أدبية إزاء هؤلاء الشهداء الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فحمل على عاتقه مسئولية رعاية أسرهم، وإكرام أراملهم وأولادهم، وكان -ولا يزال- الزواج هو أكرم طريق يستطيع الوفى لإخوته وأصحابه أن يعز به زوجات وأولاد الراحلين منهم. وما زالت بعض البيئات فى مصر وغيرها تفرض على الشقيق أن يتزوج أرملة شقيقه ليرعاها ويرعى أولادها، كنوع من الإكرام لذكرى الشقيق.