توقيت القاهرة المحلي 18:25:53 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الأخلاق.. من النكسة إلى التريند

  مصر اليوم -

الأخلاق من النكسة إلى التريند

بقلم - د. محمود خليل

لا يختلف اثنان على الآثار الداهمة التى تركتها نكسة يونيو 1967 على الواقع العربى، فبعيداً عن احتلال الأرض وارتباك المشهدين السياسى والاقتصادى داخل العالم العربى كان للنكسة آثار خطيرة على مستوى «الأخلاق»، وقد شاع منذئذ مصطلح داخل الخطاب العربى يصف التحول الذى حدث بـ«أخلاق النكسة». وتعقّدت «المشكلة الأخلاقية» بدرجة أكبر عقب الانفتاح الاقتصادى بعد نصر أكتوبر 1973، وما ارتبط به من تحولات داخل الدول العربية نتجت عن ارتفاع أسعار النفط بعد الحرب، وظهر حينئذ مصطلح جديد يتحدث عن «أخلاق الانفتاح».

أخلاق النكسة كان أبرزها جلد الذات، ولعن الواقع، وضعف الانتماء، والفردية، والأنانية، والعصبية، وغير ذلك، أما أخلاق الانفتاح فكان جوهرها الميل نحو الاستهلاك، والكذب، والانتهازية، والطفيلية، والنفاق، وما شاكل ذلك.

الأمر قبل حقبتى النكسة والانفتاح كان مختلفاً، حيث نعم المجتمع العربى بأخلاق أكثر دفئاً، مجتمع مثل المجتمع المصرى لم يكن يعانى -خلال حقبتى الأربعينات والخمسينات- من الزحام الذى يعانيه حالياً، فكانت الأعصاب مسترخية والنفوس هادئة بدرجة أكبر. والأسرة خلال هذه المرحلة كانت محكومة بمجموعة من القواعد الحاسمة، فدور الأب محدد المواصفات، وأغلب الآباء يتحرون الالتزام بها، وكذا دور الأم، وأدوار الأبناء. وكانت أصول التربية تفرض على الجميع احترام الكبير، وترشد الكبير إلى العطف على الصغير والضعيف واحتوائه وعدم النيل منه. معدلات الدخل أيضاً خلال هذه الفترة كانت معقولة، وكانت تمكّن الفرد من تغطية احتياجاته مع شىء من المعاناة.

إن فيلماً واحداً من أفلام الخمسينات استطاع أن يلخص لك الحالة الأخلاقية للمجتمع المصرى خلال هذه الحقبة، وهو فيلم «حياة أو موت» الذى يحكى كيف تآزرت أطياف مختلفة من المجتمع مع طفلة صغيرة ذهبت لتحضر دواء لأبيها المريض، فأخطأ الصيدلى فى تركيبه، وباتت حياة من يتناوله مهددة.

تحولات عديدة طرأت على الأخلاق العربية خلال العقدين الأول والثانى من القرن الحادى والعشرين، فقد أتاحت التكنولوجيا مساحات أكبر للاستهلاك، ودعمت منظومة الأخلاق الاستهلاكية، بما تحمله من كذب وانتهازية ومحاولات للتشويش على القيم المتعارف عليها، وأوجدت فكرة «الاستقطاب» والانقسام، وأشعلت العداوات القديمة النائمة بين أصحاب المعتقدات أو المذاهب أو الرؤى، وباتت مواقع التواصل الاجتماعى ساحة لنشر الكراهية ما بين المكونات العربية عموماً، بل والمكونات داخل القطر العربى الواحد. والأخطر من كل ذلك هو الدفع المستمر بقيم أخلاقية شديدة الغرابة والاغتراب عن القيم الأخلاقية التى تتحلق حولها الهوية العربية، تتصادم فى أغلبها مع القيم التقليدية التى كانت تحكم الأسرة، وأنماط الزواج وأشكاله، وطبيعة العلاقة بين الرجل والمرأة، أو الشباب والفتيات.

لا يوجد أحد ضد التجديد والإضافة والاستفادة من المنظومات الأخلاقية داخل المجتمعات الأخرى، بشرط أن تكون إيجابية ومفيدة للمجتمع، ولا يعقل أن تشتكى الشعوب العربية من عجزها عن طرق أبواب المستقبل، وهى تعانى هشاشة فى منظومة القيم المحلية السائدة فيها، وحين ترغب فى الانتقاء من منظومات أخلاقية أخرى تتعمد اختيار السلبى أو ما لا يتناسب مع تراثها القيمى.

فارق كبير بين مجتمع صنع فيلم حياة أو موت ليثبت مدى تعاطف المجموع مع طفلة وتلهفه من أجل الاطمئنان على أبيها، ومجتمع جعل من إحدى تيمات الفيلم: «إلى المواطن أحمد إبراهيم القاطن بدير النحاس» مادة للسخرية، ثم تركها وتفرغ -من بعدها- لألعاب التريند.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الأخلاق من النكسة إلى التريند الأخلاق من النكسة إلى التريند



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 07:41 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه
  مصر اليوم - ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه

GMT 09:43 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

GMT 05:12 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

تصريح عاجل من بلينكن بشأن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة

GMT 09:08 2018 السبت ,24 آذار/ مارس

لعبة Sea of Thieves تتوافر مجانا مع جهاز Xbox One X

GMT 08:25 2024 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

طائرة "مناحم بيغن" تتحول لفندق ومطعم

GMT 21:48 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

بالميراس يقترب من التعاقد مع دييجو كوستا

GMT 18:37 2020 الثلاثاء ,29 كانون الأول / ديسمبر

شركات المحمول تتجه لرفع أسعار الخدمات خلال 3 شهور

GMT 08:43 2020 الأحد ,20 كانون الأول / ديسمبر

منظمة الصحة في ورطة بسبب "التقرير المفقود" بشأن "كورونا"

GMT 07:47 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

تطورات جديدة في واقعة الاغتصاب الجماعي لفتاة داخل فندق

GMT 00:41 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

عمر ربيع ياسين يكشف آخر كواليس معسكر منتخب مصر

GMT 12:05 2020 الجمعة ,04 كانون الأول / ديسمبر

فيفا عبر إنستجرام يبرز نجوم مصر محليا وقاريا

GMT 07:41 2020 الخميس ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

أسعار الفاكهة في مصر اليوم الخميس 19 تشرين الثاني/نوفمبر 2020

GMT 01:42 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

بايرن ميونخ يعلن ضم موتينج ودوجلاس كوستا في أقل من نصف ساعة

GMT 22:56 2020 الخميس ,01 تشرين الأول / أكتوبر

تسريب جديد للمُقاول الهارب محمد علي "يفضح" قطر
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon