توقيت القاهرة المحلي 20:18:05 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«جركسي» فوق «الشجرة»

  مصر اليوم -

«جركسي» فوق «الشجرة»

بقلم - د. محمود خليل

لا يختلطن عليك الأمر ونحن نتحدث عن الشجرة، فتخلص إلى أننى أرمى إلى الشجرة الملعونة التى ورد ذكرها فى الآية الكريمة التى تقول: «وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِى أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِى الْقُرْآنِ»، بل إننى أقصد شجرة «قودوش»، فى حين أن الشجرة الملعونة فى القرآن هى شجرة الزقوم «طعام الأثيم»، وهى ليست ملعونة فى ذاتها، بل تحل اللعنة على آكلها من الآثمين.

اهتم «ميخائيل شاروبيم»، مؤلف كتاب «الكافى فى تاريخ مصر القديم والحديث» وأحد كبار المؤرخين المصريين، بالتأصيل لشجرة «قودوش» وأطال الحديث عنها وهو يحكى عن أصل الجراكسة الذين حكموا مصر لعدة عقود متصلة، بدءاً من السلطان برقوق حتى السلطان طومان باى، وتواصل حبل وجودهم فى دواليب الإدارة والسياسة فى مصر إلى عصر محمد على، وكذلك خلال الحقب التى تلته.

زمان عندما كانت بعض الأمهات يتندرن على أولادهن بوصف أحدهم بـ«الكتكوت الجركسى» حين يبدو منتفخاً ثائر الشعر، فى استدعاء واضح لصورة الأمراء الجراكسة وأبنائهم المنتفخين الذين يجوسون فى البلاد، وحين كتب الراحل «عبدالحى أديب» سيناريو وحوار فيلم «المماليك» عن قصة «نيروز عبدالملك»، أطلق على السلطان الذى يحكم مصر حينذاك اسم «جركس» ليعبر به عن كل جركسى تسلطن على بر المحروسة خلال هذه الفترة.

والجراكسة بالأصل قوم رعاة اعتادوا العيش بالخيام فى مناطق عدة بآسيا العليا (القوقاز)، وتناسلوا وتكاثروا حتى زادت أعدادهم بصورة ملحوظة، وامتازوا بالقوة والكفاءة فى القتال، لذلك اتجه بعض ولاة وسلاطين ذلك الزمان إلى الاستعانة بأبنائهم وشبابهم كمماليك يعملون فى خدمتهم، يدفعون لهم مقابل استغلال قوتهم وبلائهم ضد خصومهم السياسيين.

داخل آسيا العليا -كما يقول «شاروبيم»- ظهر الجراكسة وكانوا قوماً وثنيين يعبد بعضهم قوى الطبيعة وبعضهم الأصنام، لكن غالبيتهم كانت تقدس شجرة كبيرة متعددة الفروع والأغصان تنبت ما بين جبلين أطلقوا عليها «شجرة قودوش». علاقة الجراكسة بالشجرة اتسمت بالعجب كل العجب، فقد كانوا يُصلون لها ويتعبدون فى محرابها، وكان يحط عليها فى كل عام طائر كبير، يترك نفسه لأقرب عابر سبيل ليقوم بذبحه وتقديمه قرباناً للشجرة المقدسة.النشاط الاقتصادى الأساسى للجراكسة تمثل فى الإغارة على الآخرين وسرقتهم ونهب ممتلكاتهم، وقد ارتبط هذا النشاط بصورة أو بأخرى بشجرة «قودوش»، حيث كانوا يلتمسون منها البركة والنصر قبل كل غارة، فإذا صادفهم التوفيق وفازوا بما يريدون، عادوا إلى الشجرة فقدموا لها القرابين، فى ممارسة تتشابه مع ممارسات عرب مكة مع أصنامهم قبل الإسلام.وكان لشجرة «قودوش» المقدسة نواب عبارة عن أشجار أصغر يختارها الجراكسة بأنفسهم.

فكل من رأى منهم شجرة مورقة أخذ يحيطها برعايته وعنايته ويبدأ فى تقديسها وتسميتها كنائب للشجرة الأم.قبل كل موسم حصاد أو غارة يقومون بها بغرض السلب والنهب تعود الجراكسة التضرع للشجرة النائبة أن ترزقهم من خير الموسم وخير ضحاياهم، فإذا حدث ما يرجون قدموا القرابين إليها، وإذا كانت الأخرى حنقوا عليها، ووبخوها لأنها لم تسمع نداءهم، ونزعوا أوراقها وقطعوا غصونها واقتلعوها وأحرقوها، ليبدأوا بعد ذلك فى البحث عن شجرة أخرى مورقة يعبدونها!.إنهم الجراكسة الآباء الذين عاشوا فوق الشجرة. 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«جركسي» فوق «الشجرة» «جركسي» فوق «الشجرة»



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:36 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الأمير الحسين يشارك لحظات عفوية مع ابنته الأميرة إيمان

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 13:24 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

GMT 19:37 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مروة صبري توجّه رسالة لشيرين عبد الوهاب بعد ابتزاز ابنتها

GMT 09:03 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 12:19 2018 الإثنين ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مصر تحصد 31 ميدالية متنوعة مع ختام بطولتي الرماية

GMT 13:55 2018 السبت ,06 تشرين الأول / أكتوبر

الهلال يستضيف الزمالك في ليلة السوبر السعودي المصري

GMT 06:08 2024 الإثنين ,09 أيلول / سبتمبر

عطور نسائية تحتوي على العود

GMT 08:19 2022 الأحد ,25 كانون الأول / ديسمبر

أزمة الطاقة وسيناريوهات المستقبل

GMT 19:18 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

الطرق الصحيحة لتنظيف الأثاث الجلد

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon