توقيت القاهرة المحلي 22:20:17 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«جركسي» فوق «الشجرة»

  مصر اليوم -

«جركسي» فوق «الشجرة»

بقلم - د. محمود خليل

لا يختلطن عليك الأمر ونحن نتحدث عن الشجرة، فتخلص إلى أننى أرمى إلى الشجرة الملعونة التى ورد ذكرها فى الآية الكريمة التى تقول: «وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِى أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِى الْقُرْآنِ»، بل إننى أقصد شجرة «قودوش»، فى حين أن الشجرة الملعونة فى القرآن هى شجرة الزقوم «طعام الأثيم»، وهى ليست ملعونة فى ذاتها، بل تحل اللعنة على آكلها من الآثمين.

اهتم «ميخائيل شاروبيم»، مؤلف كتاب «الكافى فى تاريخ مصر القديم والحديث» وأحد كبار المؤرخين المصريين، بالتأصيل لشجرة «قودوش» وأطال الحديث عنها وهو يحكى عن أصل الجراكسة الذين حكموا مصر لعدة عقود متصلة، بدءاً من السلطان برقوق حتى السلطان طومان باى، وتواصل حبل وجودهم فى دواليب الإدارة والسياسة فى مصر إلى عصر محمد على، وكذلك خلال الحقب التى تلته.

زمان عندما كانت بعض الأمهات يتندرن على أولادهن بوصف أحدهم بـ«الكتكوت الجركسى» حين يبدو منتفخاً ثائر الشعر، فى استدعاء واضح لصورة الأمراء الجراكسة وأبنائهم المنتفخين الذين يجوسون فى البلاد، وحين كتب الراحل «عبدالحى أديب» سيناريو وحوار فيلم «المماليك» عن قصة «نيروز عبدالملك»، أطلق على السلطان الذى يحكم مصر حينذاك اسم «جركس» ليعبر به عن كل جركسى تسلطن على بر المحروسة خلال هذه الفترة.

والجراكسة بالأصل قوم رعاة اعتادوا العيش بالخيام فى مناطق عدة بآسيا العليا (القوقاز)، وتناسلوا وتكاثروا حتى زادت أعدادهم بصورة ملحوظة، وامتازوا بالقوة والكفاءة فى القتال، لذلك اتجه بعض ولاة وسلاطين ذلك الزمان إلى الاستعانة بأبنائهم وشبابهم كمماليك يعملون فى خدمتهم، يدفعون لهم مقابل استغلال قوتهم وبلائهم ضد خصومهم السياسيين.

داخل آسيا العليا -كما يقول «شاروبيم»- ظهر الجراكسة وكانوا قوماً وثنيين يعبد بعضهم قوى الطبيعة وبعضهم الأصنام، لكن غالبيتهم كانت تقدس شجرة كبيرة متعددة الفروع والأغصان تنبت ما بين جبلين أطلقوا عليها «شجرة قودوش». علاقة الجراكسة بالشجرة اتسمت بالعجب كل العجب، فقد كانوا يُصلون لها ويتعبدون فى محرابها، وكان يحط عليها فى كل عام طائر كبير، يترك نفسه لأقرب عابر سبيل ليقوم بذبحه وتقديمه قرباناً للشجرة المقدسة.النشاط الاقتصادى الأساسى للجراكسة تمثل فى الإغارة على الآخرين وسرقتهم ونهب ممتلكاتهم، وقد ارتبط هذا النشاط بصورة أو بأخرى بشجرة «قودوش»، حيث كانوا يلتمسون منها البركة والنصر قبل كل غارة، فإذا صادفهم التوفيق وفازوا بما يريدون، عادوا إلى الشجرة فقدموا لها القرابين، فى ممارسة تتشابه مع ممارسات عرب مكة مع أصنامهم قبل الإسلام.وكان لشجرة «قودوش» المقدسة نواب عبارة عن أشجار أصغر يختارها الجراكسة بأنفسهم.

فكل من رأى منهم شجرة مورقة أخذ يحيطها برعايته وعنايته ويبدأ فى تقديسها وتسميتها كنائب للشجرة الأم.قبل كل موسم حصاد أو غارة يقومون بها بغرض السلب والنهب تعود الجراكسة التضرع للشجرة النائبة أن ترزقهم من خير الموسم وخير ضحاياهم، فإذا حدث ما يرجون قدموا القرابين إليها، وإذا كانت الأخرى حنقوا عليها، ووبخوها لأنها لم تسمع نداءهم، ونزعوا أوراقها وقطعوا غصونها واقتلعوها وأحرقوها، ليبدأوا بعد ذلك فى البحث عن شجرة أخرى مورقة يعبدونها!.إنهم الجراكسة الآباء الذين عاشوا فوق الشجرة. 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«جركسي» فوق «الشجرة» «جركسي» فوق «الشجرة»



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 01:58 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تربح 31.4 مليار جنيه خلال شهر أغسطس

GMT 23:21 2020 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

بورصة بيروت تغلق على تحسّن بنسبة 0.37%

GMT 13:08 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

7 قواعد للسعادة على طريقة زينة تعرف عليهم

GMT 01:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

باحثون يؤكدون تقلص عيون العناكب الذكور بنسبة 25%

GMT 15:46 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

كارل هاينز رومينيجه يشيد بسياسة هاينكس

GMT 12:17 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

Mikyajy تطلق أحمر شفاه لعاشقات الموضة والتفرد

GMT 16:48 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

المقاصة يسعى لاستعادة الانتصارات أمام الانتاج

GMT 14:39 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

"ثقافة أبوقرقاص" تنظم فعاليات في قرية الكرم وقصر الإبداع

GMT 01:22 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

العسيلي والليثي يطرحان أغنيتهما الجديدة "خاينة"

GMT 19:11 2015 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

مركز "محمود مختار" يستضيف معرض الفنان وليد ياسين

GMT 03:33 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

دار VIDA للمجوهرات تطرح مجموعة جديدة لامرأة الأحلام
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon