توقيت القاهرة المحلي 15:24:05 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الحالة «الحرفوشية»

  مصر اليوم -

الحالة «الحرفوشية»

بقلم - د. محمود خليل

لم يستطع أحد أن يصور دنيا الحرافيش وآمالهم وآلامهم كما فعل نجيب محفوظ، ولو أنك طالعت الأسلوب الذى تحدّث به الجبرتى عن «حرافيش المحروسة» خلال تناوله لبعض الأحداث التى شاركوا فيها، وكمّ التحقير والامتهان الغالب على خطابه عنهم، وقارنته بالصور التى رسمها أديب نوبل لهذا القطاع من المصريين فسوف تخلص إلى حقيقة أن «محفوظ» تمكّن من تقديم «عالم الحرافيش» بشكل أكثر موضوعية وعدلاً.

انظر كيف يصف «الجبرتى» شرارة انطلاق ثورة القاهرة الأولى (أكتوبر 1798): «فانتبذ جماعة من العامة وتناجوا فى ذلك، ووافقهم على ذلك بعض المتعممين الذى لم ينظر فى عواقب الأمور، فتجمع الكثير من الغوغاء من غير رئيس يسوسهم، ولا قائد يقودهم، وأصبحوا يوم الأحد متحزبين، وعلى الجهاد عازمين، وأبرزوا ما كانوا أخفوه من السلاح وآلات الحرب والكفاح، وحضر السيد بدر وصحبته حشرات الحسينية وزعر الحارات البرانية ولهم صياح عظيم وهول جسيم ويقولون بصياح فى الكلام: نصر الله دين الإسلام».

فالحرافيش حشرات وزعر (أى بلطجية بالتعبير المعاصر) وغوغاء (أى فوضويين) وفى مواضع أخرى يصفهم «الجبرتى» بـ«المنسر» أى اللصوص وهكذا. وليس هناك خلاف على أن حركة «الحرافيش» غير محسوبة فى أغلب الأحيان، فقد انفجر غضبهم بعد بضعة أشهر من دخول الفرنسيين إلى مصر (يوليو 1798)، وانطلقوا يحطمون ما يلاقونه فى طريقهم، بدا الانفجار مفاجئاً، لكن مؤكد أن أسباباً عديدة كانت تتراكم فى الخلفية تنتظر القشة الشهيرة التى تقصم ظهر البعير.

كان العلماء والمشايخ فى ذلك الوقت جزءاً من طبقة الحكم، لم يرضوا جميعهم بالاحتلال الفرنسى لمصر، لكنهم كعادتهم استسلموا للغالب، وقبل بعضهم الانضمام إلى الديوان الذى شكّله نابليون للنظر فى صالح الأهالى، وبالتالى فقد تكونت لديهم شبكة مصالح أرادوا الحفاظ عليها، لذلك لم يكن لهم أن يقبلوا بسهولة فكرة الفوضى التى تجتاح ما فى طريقها، وتنازعهم إحساسان متناقضان وهم يراقبون خروج الحرافيش فى ثورة القاهرة الأولى، أولهما تشجيع ما يحدث كجزء من حركة تحرير البلاد من المستعمر، وثانيهما الخوف من أن تطال غضبة الحرافيش مصالحهم، وتقلقل أوضاعهم كجزء من طبقة الحكم.

التقط نجيب محفوظ من «الجبرتى» ما يمكن وصفه «بالحالة الحرفوشية» وأعاد رسمها فى صور روائية بديعة كان مسرحها حارته الشهيرة، وهى صور تحكمها معادلة البحث عن فتوة يحمى «المجموع الحرفوشى» من طغيان الفتوة «طبقة الحكم داخل الحارة».

المجموع الحرفوشى يطمح إلى إتاحة الفرصة له لكى يجرى وراء لقمة عيشه بلا مهانة أو إهدار للكرامة، وحمايته من طغيان «رجال الفتوة» الذين يرهقونه بالإتاوات، والعيش تحت مظلة عدل لا تمكّن رجال المال داخل الحارة من استنزاف واستغلال جهد عملهم وتحويله إلى ثروات طائلة. وفى الوقت نفسه لم يهرب «محفوظ» من نقل ما يسود حياة الحرافيش من فوضى، وانعدام الطموح، والرغبة فى الحياة البليدة غير المنتجة كلما واتتهم فرصة لذلك، ناهيك عن صبرهم الطويل ثم انفجارهم لأتفه الأسباب.

تعامل نجيب محفوظ مع الحرافيش من منظور مختلف بعدسة مستوية لا هى محدبة ولا هى مقعرة، مثلما فعل «الجبرتى» حين وصفهم بـ«الحشرات».

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الحالة «الحرفوشية» الحالة «الحرفوشية»



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 13:16 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها بالسعودية
  مصر اليوم - شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها بالسعودية

GMT 00:26 2021 الأربعاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يضيف لسجله أرقاماً قياسية جديدة

GMT 10:18 2020 الجمعة ,26 حزيران / يونيو

شوربة الخضار بالشوفان

GMT 08:15 2020 الثلاثاء ,09 حزيران / يونيو

فياريال يستعين بصور المشجعين في الدوري الإسباني

GMT 09:19 2020 الجمعة ,24 إبريل / نيسان

العالمي محمد صلاح ينظم زينة رمضان في منزله

GMT 09:06 2020 الأربعاء ,22 إبريل / نيسان

تعرف علي مواعيد تشغيل المترو فى رمضان

GMT 12:50 2019 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

علالو يؤكّد الجزائر "تعيش الفترة الأهم في تاريخ الاستقلال"

GMT 04:46 2019 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

اتجاهات ديكور المنازل في 2020 منها استخدام قطع أثاث ذكي

GMT 00:42 2019 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

بدء تصوير فيلم "اهرب يا خلفان" بمشاركة سعودية إماراتية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon