بقلم - د. محمود خليل
انتهى عصر "مارادونا" بعد تحليل المنشطات الذي أجري له في كأس العالم 1990، لكن الجدل حوله لم ينته بين المصريين، ولم ينجح أحد من اللاعبين الذين ظهروا من بعده على استثارة خيالات التحزب الكروي لدى المصريين. لم يتحقق هذا مع ظهور اللاعب البرازيلي رونالدو، ولا زميله ورنالدينيو. وظلت الحال كذلك حتى بزغ نجم الأرجنتيني "ميسي" والبرتغالي "كريستيانو رونالدو".هذان اللاعبان هما نجما الجيل الجديد، جيل الألفية، وهو متحزب نحوهما أشد التحزب، فمن بين أفراده من يرى في "ميسي" العظمة كل العظمة، ومنهم من يعتبر رونالدو الأفضل بين الجيل الحالي من لاعبي الكرة. والمقارنات بين أنصار النجمين في مصر لا تتوقف، بما في ذلك مقارنتهما بالعظماء السابقين من نجوم العالم، مثل بيليه ومارادونا.أسلوب لعب كرة القدم اختلف كثيراً بعد مرور ما يقرب من 5 عقود على زمن بيليه وما يقرب من ثلاثة عقود على زمن مارادونا. فالكرة أصبحت تكتيك ولياقة، لكن يبقى لـ"الحرفنة" قدرها لدى الجماهير المصرية وغيرهم من جماهير العالم. وليس هناك خلاف على أن المراواغات التي يأتيها كل من "ميسي" و"رونالدو" تبهر جيل المشجعين الجدد، بالإضافة إلى التصويبات القوية، والقفزات الرائعة عند التصويب بالرأس وغير ذلك.كأس العالم الأخيرة (الدوحة 2022) تعد بالنسبة لكل من "رونالدو" و"ميسي" الكأس الأخيرة، فقد تجاوز كل منهما الـ35 عاماً، ولم يعد لأي منهما فرصة للوصول إلى كأس العالم القادمة، لذلك فمنذ انطلاقها، والرهانات على من سيحظى بحسن الختام ويحمل كأس العالم لفريقه لم تتوق، حزب رونالدو من المصريين راهن أنه سيفعلها، وشعروا بمنتهى الإحباط (وكأن مات لهم ميت) حين خرجت البرتغال من المنافسات على يد المغرب الشقيق. حزب "ميسي" كان يشجع المغرب في هذه المباراة مكايدة لأنصار "ميسي". وقد هلل الأخيرون حتى بحت أصواتهم بعد أن تمكن فريق الأرجنتين من هزيمة كرواتيا بالثلاثة، ووصل إلى نهائي الكأس، وبدا الأمر وكأنهم سيكسبون رهانهم على أن "ميسي" هو الأفضل، وسوف يحظى بحسن الختام يوحمل كأس العالم إلى الأرجنتين، وبعدها يعتزل اللعب الدولي.التحيزات المصرية لنجوم الكرة العالمية منذ بيليه وحتى "ميسي" مسألة لا غبار عليها. كل شعوب العالم تفعل ذلك، لكن المشكلة أن "التحزب الكروي" لدينا يمتاز بقدر كبير من الشطط، إلى حد يمكننا معه القول بأنه التحزب الأكثر تفوقاً بين كافة أنواع التحزب، بما في ذلك التحزب السياسي، وأن الاهتمام بكرة القدم ونجومها المحليين أو الدوليين يفوق أي اهتمام آخر لدى المصريين.وقد حكيت لك كيف نسي المصريين الأحزان والآلام التي سقطوا في ودهتها بعد نكسة 1967، حين حضر "بيليه" وفريق سانتوس البرازيلي للعب مع الأهلي عام 1972، وكيف ألهاهم الانقسام حول الهدف الذي أحرزه "مارادونا" بيده في كأس العالم 1986 عن الكثير من المشكلات التي تقاطرت سراعاً على الحياة في مصر والمنطقة أواخر الثمانينات وبداية التسعينات.هذا الغرام العجيب بالتحزب الكروي هو ما دفع بعض المصريين إلى وصف أنفسهم –عشية نكسة يونيو 1967- قائلين: "نحن شعب يفطر فول.. ويتغدى كورة.. ويتعشى أم كلثوم". كان هناك ميل نحو جلد الذات لدى الكثيرين خلال هذه الفترة، لكنه في النهاية لم يغير من الواقع شيئاً.ولله في خلقه من المصريين شئون.