توقيت القاهرة المحلي 16:28:02 آخر تحديث
  مصر اليوم -

رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ

  مصر اليوم -

رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ

بقلم - د. محمود خليل

تجربة النبى، صلى الله عليه وسلم، فى طفولته، علمته أن يكون عظيم الرحمة وشديد العطف والتعاطف مع المجموعة البشرية التى خرج منها، سكن إلى جواره الضعفاء، ووجد فيه من يتمتعون بعناصر القوة ملاذاً إنسانياً يعلمهم أن الرحمة هى ذروة سنام القوة.

الأصل فى هذه المسألة أن الرسول كان جزءاً لا يتجزأ من النسيج البشرى الذى عاش فى مكة وقت البعثة: «لقد جاءكم رسول من أنفسكم»، وهو نسيج يتشكل من نماذج إنسانية تجد لها أشباهاً فى كل زمان ومكان. فيهم الحالم بالخروج من أسر العبودية مثل «بلال»، والحالم بإحياء القيم الإنسانية الرفيعة مثل «صهيب»، والمفكر المغرم بالترحال بحثاً عن الحقيقة مثل «سلمان»، والمناضل بتركيبته وطبيعته مثل «عمار»، وصاحب الشخصية القوية والرأى النافذ مثل «عمر»، وصاحب الحكمة والرأى السديد مثل «أبوبكر»، والباحث عن مجد العائلة مثل «عثمان»، والفارس النبيل مثل «على بن أبى طالب»، والمرأة المؤمنة التى تجيد لعب دور السيدة الأولى مثل «خديجة»، والمرأة الصابرة المحتسبة مثل «أسماء»، والمرأة الطموح مثل «هند بنت عتبة»، والمرأة المعتدة بنفسها مثل «عائشة».

فالنبى كان جزءاً لا يتجزّأ من قومه وأحلامهم وأشواقهم إلى الحياة وحنينهم إلى الخالق وشغفهم بمعرفة مآل الإنسان بعد الحياة. وليس المقصود بقومه هنا من آمن به وبرسالته وفقط، بل من آمن ومن رفض الإيمان، بل الإنسان أينما ووقتما كان، فقد عزّ على النبى عنت الإنسان ككل وما يلاقيه فى حياته من محن وعذابات. يقول «ابن عباس» إن المعنى فى قوله تعالى: «عزيز عليه ما عنتم» لا يشمل أهل الإيمان وفقط، بل يمتد إلى الجميع. التفات النبى، صلى الله عليه وسلم، إلى ما يواجه قومه من محن وعذابات وصراعات تتآكل فيها إنسانية الإنسان مرده الحرص الشديد على المؤمنين، ومن عرفوا الطريق إلى الله: «حريص عليكم»، لذلك يظل شخصه الكريم رمزاً للرحمة والرأفة بهم: «بالمؤمنين رؤوف رحيم».

رحلة الطفولة والصبا والشباب التى خاضها النبى كانت تؤهله لكى يكون الإنسان الذى وصفته الآية الكريمة التى تقول: «لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ». فالنفس الأرحم والأرأف بمن حولها هى النفس التى ذاقت مرارة اليُتم، وعاشت طفولتها تتنقل من كنف عائلة إلى عائلة، وعرفت العمل وتحمّلت مشاقه من أجل مواصلة الحياة، ودأبت على تأمل أحوال المحيطين بها، والتفكير فى ما يصلحها ويقيم اعوجاجها ويأخذ بيدها من ظلمات التيه والتعلق بالأرض إلى آفاق قدسية أعلى. لذلك فقد كان مولد النبى، صلى الله عليه وسلم، ووجوده فى حياة البشر منة كبرى من الخالق العظيم، وجوهر المنة هنا أنه اصطفى لرسالته إنساناً صهرته تجارب الحياة وأوجاعها ليعبر فى تجربته عن المعنى الحقيقى للإنسانية: «لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِى ضَلَالٍ مُّبِينٍ».

الصورة التى رسمها القرآن الكريم للنبى على هذا المستوى تقدم لنا إنساناً تمثل رحمته وعطفه ورقة قلبه مع من حوله السر الأكبر لاصطفافهم وراءه «وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 13:16 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها بالسعودية
  مصر اليوم - شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها بالسعودية

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 00:26 2021 الأربعاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يضيف لسجله أرقاماً قياسية جديدة

GMT 10:18 2020 الجمعة ,26 حزيران / يونيو

شوربة الخضار بالشوفان

GMT 08:15 2020 الثلاثاء ,09 حزيران / يونيو

فياريال يستعين بصور المشجعين في الدوري الإسباني

GMT 09:19 2020 الجمعة ,24 إبريل / نيسان

العالمي محمد صلاح ينظم زينة رمضان في منزله

GMT 09:06 2020 الأربعاء ,22 إبريل / نيسان

تعرف علي مواعيد تشغيل المترو فى رمضان

GMT 12:50 2019 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

علالو يؤكّد الجزائر "تعيش الفترة الأهم في تاريخ الاستقلال"

GMT 04:46 2019 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

اتجاهات ديكور المنازل في 2020 منها استخدام قطع أثاث ذكي

GMT 00:42 2019 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

بدء تصوير فيلم "اهرب يا خلفان" بمشاركة سعودية إماراتية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon