توقيت القاهرة المحلي 15:51:47 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«لا تقدرون أن تخدموا الله والمال»

  مصر اليوم -

«لا تقدرون أن تخدموا الله والمال»

بقلم - د. محمود خليل

من العوامل الأخرى التى أكسبت «مكرم عبيد» شعبية كبيرة لدى المصريين، ما تميز به من نزاهة ونظافة يد وتعفف، وهى جملة الصفات التى تدفع المصريين إلى احترام المسئولين الذين يتميزون بها، وهم فى أغلب الأحوال ندرة نادرة.فالمسئول الذى ينشغل بالشعب يصعب عليه أن ينشغل بنفسه، على عكس الذى يرى المنصب وجاهة، وليس فرصة لخدمة البشر العاديين. والمسألة ترتبط فى الأول والآخر بنظرة المسئول إلى القوى التى دفعت به إلى الصفوف الأمامية، فإذا اعتقد أن قوى السلطة والنفوذ هى من دفعته كان أكثر ميلاً إلى خدمتها وتحقيق المغانم الشخصية، وإذا آمن أن البشر العاديين هم من دفعوا به إلى موقعه فى الأمام، فسوف يعمل فى خدمتهم، وينشغل بهم عن ذاته.فى هذا السياق نستطيع القول إن «مكرم عبيد» قدم ترجمة إنسانية عملية لآية الإنجيل التى تقول: «لا يقدر أحد أن يخدم سيدين. لأنه إما أن يبغض الواحد ويحب الآخر. أو يلازم الواحد ويحتقر الآخر. لا تقدرون أن تخدموا الله والمال».. ويبدو أنه كان يتمثل أيضاً قول الله تعالى فى القرآن الكريم: «ما جعل الله لرجل من قلبين فى جوفه».اختار «مكرم عبيد» طريقه مع البشر العاديين من بسطاء المصريين، هؤلاء الذين صنعوا مجده وزعامته، أحبهم فأحبوه، أخلص لهم فأخلصوا له، أعطاهم من جهده ووقته وعمره فأعطوه دعماً وتأييداً، حتى فى اللحظات التى تواجه فيها مع زعيمهم الكبير مصطفى باشا النحاس، حين أصدر كتابه المعنون بـ«الكتاب الأسود» الذى وجه فيه اتهامات بالفساد إلى «النحاس وحرمه»، وكانت فى أغلبها لا تمثل حالات فساد جاد. لم يفقد «مكرم» مليمتراً واحدة من مساحة الحب التى احتلها فى الوجدان المصرى وهو ينتقد «النحاس»، رغم محبتهم الجارفة للأخير.دفاع «مكرم عبيد» عن بسطاء المصريين، من عمال وفلاحين وموظفين صغار، كان شغله الشاغل، وقد حدثتك قبل ذلك عن نظريته الرافضة لفصل الاقتصاد عن المجتمع، وأن الاقتصاد لا بد أن يكون «شعبياً» وليس حكومياً، وأن الدول التى تكون حكومتها غنية وشعبها فقير لا تقدم نموذجاً ناجحاً فى الإدارة الاقتصادية، ويذهب العديد من المؤرخين إلى أن «مكرم عبيد» كان نموذجاً فريداً من نوعه لوزراء المالية، فقد كانت يده سخية على بسطاء الشعب بصورة جعلته مختلفاً عمن سبقه أو لحق به من وزراء اقتصاد اشتهروا بـ«القرطمة» أو مد النظر إلى جيوب الناس.رفض مكرم عبيد أيضاً فكرة الفصل بين السياسة والاقتصاد، ورأى أن الاستقلال السياسى أساسه الاستقلال الاقتصادى، وما أكثر ما تساءل: «ما الذى يكسبه الفلاح من الاستقلال، إذا ظل فى كل عهد من العهود كبش الفداء ومحل الاستغلال؟».. فجوهر الاستقلال من وجهة نظر السياسى المخضرم تمثل فى رفع الاستغلال عن الفلاحين المصريين الذين يمثلون النسبة الغالبة من الساعين فوق تراب المحروسة.هذا الانحياز الواضح لبسطاء المصريين، والدفاع المستميت عنهم، جعل البعض يصف مكرم باشا بأنه اشتراكى التوجه والنزعة، وهو اتهام خطير فى مصر ما قبل يوليو 1952، حيث كانت الدولة حينها تحارب الاشتراكية، وتعتبر تبنى أفكارها جريمة، وظنى أن مكرم باشا كان يضحك وهو يسمع هذه الاتهامات الصادرة عن عقول لا تفهم أن جانباً من جوانب الفكر الليبرالى يتمركز حول فكرة «الحماية الاجتماعية» بالتعليم والعلاج والتموين وغير ذلك من متطلبات أساسية للحياة.لم يكن فارس الليبرالية الشهير يأبه لاتهامه بالاشتراكية، لأن من ينشغل بخدمة الشعب الذى وثق فيه وأحبه لا يجد وقتاً يتوقف فيه أمام ثرثرة من كان يصفهم مكرم عبيد بـ«الحاسدين».

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«لا تقدرون أن تخدموا الله والمال» «لا تقدرون أن تخدموا الله والمال»



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024
  مصر اليوم - المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024

GMT 08:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 08:32 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات
  مصر اليوم - ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات

GMT 07:41 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه
  مصر اليوم - ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه

GMT 08:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

أحمد الشرع تُؤكد أن سوريا لن تكون منصة قلق لأي دولة عربية

GMT 03:29 2020 السبت ,14 آذار/ مارس

بورصة تونس تغلق التعاملات على انخفاض

GMT 14:03 2020 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أول تعليق من محمد منير بعد وفاة مدير أعماله وزوج شقيقته

GMT 06:49 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

عزل ترامب

GMT 11:48 2019 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

هاشتاج أمينة خليل يشعل مواقع التواصل الاجتماعي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon