بقلم - د. محمود خليل
الشح حالة إنسانية يستوى فيها جميع البشر، فالأنفس كلها شحيحة تميل إلى الأنانية والأثرة والاستحواذ، وتريد الخير كل الخير لنفسها.. والشح لا يكون بالمال وفقط، بل يغطى كل أنواع الخير التى يمكن أن يبذلها الإنسان لغيره «أشِحَّةً على الخَيرِ».. فالناس ميَّالون إلى البخل على غيرهم بالخير.
فوائض الثروة فى الحياة متعددة ومتنوعة، فهناك من يملك فائض مال، أو فائض علم، أو فائض حكمة، أو فائض خبرة، أو فائض أرض، أو فائض طعام وشراب.. والناس أمام فوائض الثروة صنفان، فهناك من يبذل ويعطى، وهناك من يشح ويبخل.
الصنف الأول هو الصنف الذى يعرف كيف يتغلب على آفة الشح المزروعة فيه كإنسان، فينطلق إلى عطاء من حوله مما أفاض الله تعالى عليه من خيره، ثقة منه فى أن الله تعالى هو العاطى الوهاب. ويبقى أنصار رسول الله، صلى الله عليه وسلم، نموذجاً خالداً على هذا النوع من البشر، الذى يعطى مما أفاض الله عليه لغيره، ليس ذلك وفقط، بل كان بعضهم يؤثر غيره على نفسه، فيعطيه ويحرم نفسه.. وقد حكى القرآن الكريم موقفهم هذا فى قوله تعالى: «وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ».
أنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلوا النموذج الأروع للبشر القادر على التغلب على شح نفسه، كان نهجهم فى التجربة الإيمانية هو العطاء، دون انتظار عائد أو نتيجة، كانوا يعطون إيماناً واحتساباً عند الله، عاشوا يضحون ويبذلون طيلة حياة النبى صلى الله عليه وسلم فى المدينة، وبعد وفاته لم يفوزوا بما فاز به المهاجرون فى ترتيب بيت الحكم، فرضوا واستغنوا، لذا فقد قدمهم الله تعالى نموذجاً لهزيمة الشح فى نفوسهم: «ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون».
الصنف الثانى من البشر يُحجم عن علاج شهوة الأنانية والأثرة والشح على الغير داخل نفسه، وهو يظن بذلك أنه يفوز ويتفوق، وذلك هو السفه بعينه، لأن غياب فضيلة العطاء وسيطرة الشح داخل أى تجمع بشرى يعقد حياة أفراده ويتسبب فى زرع الحقد والكراهية فيما بينهم، والنتيجة تفسخهم وتفككهم. الشح هو أقصر الطرق لتعقيد الحياة. يقول الله تعالى: «وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسّرهُ لِلْعُسْرَى وَمَا يُغْنِى عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى».
المعنى فى الآيات الكريمة واضح وضوح الشمس. فبخل الإنسان يغذيه إحساسه بالقدرة على الاستغناء عن غيره، ولا يوجد فى الحياة من يستطيع الحياة بمفرده إلا الحمقى، والنتيجة هى تعقد معيشة الناس، فكل طريق يسلكونه يصادفون فيه العقبات ويواجهون فيه المشكلات. ويترتب على ذلك وضع المجتمع على الطريق السريع إلى الهلاك أو التردى، إنها مقدمات لا بد أن تفضى إلى نتائج.. فالشح مقدمة تفضى حتماً إلى الهلاك.