توقيت القاهرة المحلي 07:19:22 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«النبي» و«الزعيم»

  مصر اليوم -

«النبي» و«الزعيم»

بقلم - د. محمود خليل

كان أكثر ما يلفت أهل مكة إلى النبى صلى الله عليه وسلم فى شبابه هو ما تمتع به من استقامة خلق، وجدية فى العمل، وميل إلى التأمل فى الحياة والأحياء، وكان بهذه الخصال استثناء بين أفراد جيله. ومثل الجميع كان محمد يعيش إنساناً عادياً يأكل الطعام ويمشى فى الأسواق.

الحياة الطبيعية التى عاشها محمد فى شبابه كانت السبب المباشر فى إحساس الدهشة الذى اعترى أهل مكة حين أخبرهم بأنه نبى مرسل من عند الله. فقد كان لديهم تصور أسطورى موروث عن آبائهم وأجدادهم بأن النبى لا يمكن أن يكون إنساناً عادياً مثل كل البشر يأكل الطعام ويمشى فى الأسواق: «وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِى فِى الْأَسْوَاقِ»، تصوروا أن النبى لا بد أن يصحبه ملك من السماء يكون معه نذيراً، أو يكون لديه القدرة على الصعود إلى السماء والتحدث إلى الملأ الأعلى، ثم الهبوط إلى الأرض، وأن يكون له قصر منيف يعيش فيه.

هذا التصور التخيلى أو الأسطورى الذى كان يتسكع فى أدمغة المكيين جعلهم يشعرون بالدهشة عندما أعلن محمد نبوته، فلم يتقبلوا فكرة أن يرسل الله إليهم إنساناً عادياً، كل ما يملكه فى الحياة هو الحكمة التى غذاها التأمل وطول النظر فى أحوالهم، والتى جعلته مؤهلاً لاختيار السماء كى يحمل رسالتها إلى الأرض.

وقد نص القرآن الكريم أن محمداً لم يكن بدعاً من الرسل: «قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِى مَا يُفْعَلُ بِى وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَىَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُّبِينٌ»، وأكد أن كل الرسل كانوا مثل محمد يأكلون الطعام ويمشون فى الأسواق: «وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِى الْأَسْوَاقِ».

لم يكن محمد أيضاً جزءاً من المركب الاقتصادى للمجتمع المكى، المتمثل فى التجار الأثرياء، مثل عثمان بن عفان أو عبدالرحمن بن عوف، أو جزءاً من طبقة الحكم فيها مثل عمرو بن هشام أو معاوية بن أبى سفيان، بل رجلاً يتمتع بمكانة أدبية فقط، نشأت عن انتمائه إلى بنى هاشم، من ناحية، وخلقه القويم من ناحية أخرى.

فيما عدا ذلك كان النبى مطالباً بالعمل حتى يجد قوت يومه، وحتى يساعد عمه أبا طالب الذى تكفل برعايته بعد وفاة جده، لذا فقد عمل برعى الغنم ثم فى التجارة، وظهرت مواهبه فى إدارة الأعمال حين شارك فى إدارة تجارة السيدة خديجة بنت خويلد.

عدم وجود محمد صلى الله عليه وسلم ضمن طبقة الحكم أو طبقة المال داخل المجتمع المكى مثل عاملاً ثانياً أصاب المكيين بالدهشة عندما أخبرهم بأنه رسول من عند الله. فقد تعجبوا من هذا الأمر كثيراً وقالوا كما يحكى القرآن الكريم: «وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ».

فالنص السماوى كان محل إعجاب وتصديق الكثيرين من أهل مكة، لكنهم تحفظوا على صاحبه، لأنه لم يكن واحداً من عظماء مكة أو الطائف، وذلك بمقاييسهم الخاصة للعظمة.لم يفهم الرافضون لنبوة محمد من أهل مكة أن للنبوة مقاييس عظمة مختلفة عن الزعامة.

ما دام هدفنا العام طويل الأجل متماشياً مع العقل، فمن الواجب أن تكون تصرفاتنا الجزئية قصيرة الأجل منسجمة مع هذا الهدف العام».فكل تعليقاتهم على النبى تدلل على أنهم كانوا يبحثون عن زعيم -بشروط خاصة- ينضوون تحت رايته. والأرجح أن أغلب من تبنوا هذا الطرح كانوا من بنى أمية الذين اعتبروا أن محمداً يبحث عن مُلك، وأن منافسيهم من بنى هاشم يريدون الزعامة على قريش، وقد ظلوا على هذا الدأب حتى فتح مكة، حين عاملهم محمد بأخلاق النبوة، وليس بالطرق التى اعتاد عليها الزعماء فى مثل هذه المواقف.وفى مقابل الرافضين ظهر من بين أهل مكة آحاد من البشر فهموا المعنى الحقيقى للنبوة فآمنوا بمحمد ورسالته، وعزروه ونصروه صلى الله عليه وسلم.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«النبي» و«الزعيم» «النبي» و«الزعيم»



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 23:13 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل
  مصر اليوم - بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل

GMT 10:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته
  مصر اليوم - أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 04:48 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات
  مصر اليوم - المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 04:48 2019 الإثنين ,08 إبريل / نيسان

أصالة تحيى حفلا في السعودية للمرة الثانية

GMT 06:40 2018 الأحد ,23 كانون الأول / ديسمبر

محشي البصل على الطريقة السعودية

GMT 04:29 2018 الخميس ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

روجينا تكشّف حقيقة مشاركتها في الجزء الثالث من "كلبش"

GMT 19:36 2018 الأحد ,22 إبريل / نيسان

تقنية الفيديو تنصف إيكاردي نجم إنتر ميلان

GMT 13:02 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

علماء يكشفون «حقائق مذهلة» عن السلاحف البحرية

GMT 20:26 2018 السبت ,31 آذار/ مارس

إيران توقف “تليجرام” لدواع أمنية

GMT 22:47 2018 الجمعة ,09 شباط / فبراير

مبابي يغيب عن نادي سان جيرمان حتى الكلاسيكو

GMT 21:12 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

الزمالك يحصل على توقيع لاعب دجلة محمد شريف
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon