توقيت القاهرة المحلي 20:55:35 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«ألا بعداً لمدين كما بعدت ثمود»

  مصر اليوم -

«ألا بعداً لمدين كما بعدت ثمود»

بقلم - د. محمود خليل

"آيات" عديدة حملها الأنبياء والمصلحون إلى أقوامهم، التمسوا بها إصلاح أحوالهم التي اضطربت، وإعادة التوازن إلى حياتهم التي اختلت.

جوهر العلة دائماً تجده في حالة "الاختلال الإنساني" التي تضرب الفرد والجماعة، ومظاهر هذا الاختلال عديدة، فقد تصيب ميزان الأخلاق، أو ميزان القيم، أو ميزان العلاقات بين البشر، أو ميزان العدل، أو حتى ميزان المكاييل الذي تكال به السلع، كما حدث مع قوم "شعيب".

قوم "شعيب" من أهل "مدين" كانوا من المطففين الذين يبخسون الناس أشيائهم، وبخس الأشياء مسألة لا تتعلق بالسلع أو بالمال فقط، بل تتصل بكل الحقوق الإنسانية، حتى ولو كان حقاً في مكانة أو قيمة أو نحو ذلك.

أضاف قوم "شعيب" إلى سفه "البخس" و"التطفيف" الكثير من المثالب الأخرى، كان أخطرها تعظيم "الأيكة" الكبيرة -الشجرة- التي كانوا يعبدونها.

منحنا الله عبر تجربة "شعيب" رؤية للكيفية التي حاول فيها النبي أن يعالج سفه التفكير السائد لدى قومه بالعقل والمنطق.

رغّبهم "شعيب" في الرزق الحلال بعيداً عن أكل حقوق الناس: "بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين"، وعبر عن خوفه عليهم: "إني أخاف عليكم عذاب يوم محيط"، ودعاهم إلى العدل والاستقامة: "ولا تقعدوا بكل صراط توعدون وتصدون عن سبيل الله من آمن به وتبغونها عوجا".

رفض السفهاء منطق العقل، وعاندوا واستكبروا رغم الخلطة الإقناعية المعجزة التي اعتمد عليها شعيب "خطيب الأنبياء" والتي مزجت بين الحجج البسيطة المقنعة، والتعبير الوجداني عن حرصه على قومه وخوفه عليهم، فما كان منه في الختام سوى تحذيرهم بالآية التي يعلمها الجميع: "ولا يجرمنكم شقاقي أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح أو قوم هود أو قوم صالح وما قوم لوط منكم ببعيد".

كان "شعيب" يعلم أن قومه على خلاف وشقاق معه، ولكنه دعاهم إلى الموضوعية في النظر إلى ما يقول بعيداً، عن أي شقاقات أو خلافات شخصية، لكنهم صموا آذانهم عن نصحه، ولم يلتفتوا إلى الآية التي ذكّرهم بها، حين نوه لهم بمآلات الأقوام الذين عاندوا مثلهم، وعلى رأسهم "عاد هود".تعرض قوم "شعيب" لصنوف مختلفة من العقاب تتناسب مع ما اقترفوه.

كان أولها "الرجفة": "فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين".. فقد كانوا قوم زراعة وتجارة اعتادوا الحركة والفعل، فأراد الله أن يحولهم إلى حالة من السكون والثبات في المكان (البيوت).. والله أعلم بكنه هذه الرجفة، وهل كانت زلزالاً أخافهم من ترك بيوتهم أم أمراً آخر وقع في أرضهم، لكن المؤكد أنها كانت شيئاً مخيفاً.

بعد "الرجفة" كانت "الصيحة": "وأخذ الذين ظلموا الصيحة".. هذه المرة لم تسكن أجسادهم في محلها، بل سكتت ألسنتهم التي سلقوا بها نبي الله سخرية واستهزاءاً.

ثم كانت "الظلة": "فأخذهم عذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم".. فقد اشتد عليهم الحر حتى وجدوا سحابة رطيبة ذهبوا يستظلون بها، فتحولت في لحظة إلى كتلة من اللهب تحرق بنارها القلوب القاسية.ثلاثية "الرجفة/ الصيحة/ الظلة" مثلت واحدة من الآيات الكبرى الشاهدة على ما يحيق بالمجتمعات التي يختل بها "ميزان الإنسانية".

"ألا بعداً لمدين كما بعدت ثمود".

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«ألا بعداً لمدين كما بعدت ثمود» «ألا بعداً لمدين كما بعدت ثمود»



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 20:31 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

التعادل السلبى يحسم مباراة تشيلسي وايفرتون

GMT 04:44 2018 الأربعاء ,19 أيلول / سبتمبر

رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان يصل إلى السعودية

GMT 11:41 2018 الثلاثاء ,17 تموز / يوليو

شيرين رضا تكشف سعادتها بنجاح "لدينا أقوال أخرى"

GMT 09:36 2018 الأحد ,01 تموز / يوليو

دراسة تنفي وجود "مهبل طبيعي" لدى النساء

GMT 10:26 2018 السبت ,07 إبريل / نيسان

" لفات الحجاب" الأمثل لصاحبات الوجه الطويل
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon