توقيت القاهرة المحلي 21:14:46 آخر تحديث
  مصر اليوم -

المرض المملوكي.. والمثل

  مصر اليوم -

المرض المملوكي والمثل

بقلم - د. محمود خليل

«خاير بك» أحد الأمراء المماليك الذين اشتهروا فى بر المحروسة أواخر عهد الدولة الجركسية.

فالرجل كان أحد قادة قوات المماليك التى تحركت بقيادة «قنصوة الغورى» إلى الشام لملاقاة العثمانيين بقيادة سليم الأول، وإيقاف زحفهم نحو مصر. ظهرت القوات المصرية على العثمانية فى البداية، وبدأت بشائر النصر تلوح فى الأفق. فجأة فر الأمير «خاير» بمماليكه من المعركة، وهرولوا ينصحون كل من يقابلون بالهرب من المعركة لأن الهزيمة حاقت بالمماليك فى «مرج دابق».

وصل «خاير» إلى حلب، وهناك قابل السلطان «سليم»، وبعد المقابلة خلع زى الجراكسة وارتدى زى التراكمة، وفوجئ المماليك المصرلية خلال مواجهتهم للسلطان «سليم» فى موقعة «الريدانية» بخاير بك يقف فى صف الأتراك، ولما انتهت المواجهة بانتصار سليم الأول، وقُبض على السلطان طومان باى وأعدم على باب زويلة، قرر قائد الترك تعيين الأمير خاير بك ملكاً للأمراء ونائباً له على مصر.

تعجب من سذاجة السلطان قنصوة الغورى الذى وصلت إليه معلومات مؤكدة بأن «خاير بك» خائن ووالس مع الترك، لكنه لم يلتفت إلى ذلك بسبب نبوءة تنبأ له بها أحد العرافين وقال له فيها إن خليفته على الحكم يبدأ اسمه بحرف «سين»، فظن أن المقصود هو «سيباى» نائبه على الشام، وأن الأخير يخادعه بما يردد من اتهامات بالخيانة لـ«خاير بك».

كان ما كان وجلس خاير بك على سرير ملك مصر، وأطلق عليه الأهالى -لما علموا خيانته- اسم «خاين بك»، لكن ذلك لم يكن يعنيه فى شىء، فقد حقق حلمه وحكم البلاد، وأخذ كعادته ينهب خيرها، ويعذب أهلها، فسرق وشنق وقتل وطارد، وكله لحساب العثمانيين، حتى وضعت المقادير نقطة النهاية فى سيرته، وهى نقطة ارتبطت بمثل شعبى قفز فجأة على ألسنة الناس، يقول: ما يعرفش ربنا إلا وقت زنقة».

فقد حدث وأصيب «خاير بك» بورم خطير أثر على أداء أجهزته الحيوية، التمس الطب والدواء، دون جدوى، شعر بأنها النهاية، فانقلب رأساً على عقب، فبعد أن كان جباراً عنيداً سفاكاً للدماء مناعاً للخير، إذا به يتحول إلى ريح مرسلة، فيعتق جميع غلمانه وجواريه ويمنحهم حريتهم، ويُخرج عشرة آلاف أردب من القمح يوزعها على المجاورين فى الأزهر، وغيره من بيوت الله، ويطلق سراح المساجين.

وصف «ابن إياس» حال خاير بك وهو يفعل ذلك قائلاً: «لم يعرف الله إلا وهو تحت الحمل». وهو المثل الذى تم تبسيطه على ألسنة العوام فى قولهم: «ما يعرفش ربنا إلا وقت زنقة».

المثل يعبر عن حالة إنسانية لا غبار عليها. فحين يضعف الإنسان ويتزلزل كيانه بالمرض أو غيره من ابتلاءات الدنيا، فإنه يعلم ألا ملجأ من الله إلا إليه، وعادة ما يثوب إلى رشده ويعود إلى ربه، لكن المشكلة أن أمثال «خاير بك» لم يفعلوا قليلاً، من خيانة للأوطان، وتآمر على أبناء جلدته، وإذلال للأهالى، وضغوط عنيفة عليهم، ولما يشعر بدنو الأجل يعود إلى الله ويبدأ فى شراء نفسه وغسل سيرته المرعبة بعدة أرادب من القمح المسروق، وعتق مجموعة من الجوارى والغلمان الذين اشتراهم بالمال الذى جمعه من قوت الناس.

إنه موقف محير. فهل المسألة سهلة إلى هذا الحد؟ رحمة الله تعالى وسعت كل شىء، وهو أدرى وأعلم بعباده، وحساب الجميع على الله، وهو أعدل من حكم. 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المرض المملوكي والمثل المرض المملوكي والمثل



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 15:49 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

شيرين عبد الوهاب تعود لإحياء الحفلات في مصر بعد غياب
  مصر اليوم - شيرين عبد الوهاب تعود لإحياء الحفلات في مصر بعد غياب

GMT 11:46 2024 السبت ,14 كانون الأول / ديسمبر

مبابي أفضل لاعب فرنسي في موسم 2023-2024 ويعادل كريم بنزيما

GMT 08:32 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

GMT 09:32 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

إطلالات للمحجبات تناسب السفر

GMT 10:42 2018 الخميس ,19 إبريل / نيسان

بولندا خرقت القانون بقطع أشجار غابة بيالوفيزا

GMT 23:19 2018 السبت ,07 إبريل / نيسان

كلوب يحمل بشرى سارة بشأن محمد صلاح

GMT 01:19 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

لاتسيو يحتفظ بخدمات لويس ألبيرتو حتى 2022

GMT 07:17 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

وفاء عامر تبدي سعادتها لقرب عرض مسلسل الدولي

GMT 09:03 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

فيسبوك يُجهّز لتسهيل التطبيق للتواصل داخل الشركات الصغيرة

GMT 20:34 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

حبيب الممثلة المطلقة أوقعها في حبه بالمجوهرات

GMT 04:40 2017 الأربعاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

أشرف عبد الباقي يسلم "أم بي سي" 28 عرضًا من "مسرح مصر"
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon